ليس هناك أسوأ من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته للسلام في الشرق الأوسط المسماة «صفقة القرن»، إلاّ حجم الإنتهاكات والإعتداءات الإسرائيلية التي تستهدف الشعب الفلسطيني منذ إعلانها، واستهداف المدنيين وعدد الشهداء والجرحى الذين باتت أعدادهم تتجاوز الألوف، دون توقف.
ولم تتوقف الإنتهاكات الإسرائيلية عند حدّ جرائمها حيال الشعب الفلسطيني الأعزل، وتحديدا المدنيين منهم، إنما تجاوزتها للإستمرار في نهجها الإستفزازي بالإعتداءات المتوصلة على المقدسات، والإقتحامات المتكررة من قطعان المستوطنين للمقدسات، والتي كان أحدثها أمس حيث اقتحم العشرات من جنود الاحتلال الاسرائيلي الحرم الابراهيمي الشريف بمدينة الخليل وطردوا الموظفين والحراس، كما اقتحم أكثر من 100 مستوطن ساحات المسجد الأقصى/ الحرم القدسي الشريف بمدينة القدس المحتلة، حيث نفّذت بحراسة مشددة من شرطة الاحتلال الخاصة المدججة بالسلاح.
الصفقة مرفوضة وبصوت عالي من الأردن وفلسطين، وحتما كلّ هذه الإنتهاكات والإجراءات الإسرائيلية لن تزيدهما إلاّ إصرارا على موقفهما، والرد الأبلغ على كل هذه الجرائم التي لم تعد يومية فقط، إنما كل ساعة، وكل دقيقة، وعلى «صفقة القرن» هو الرفض، والمقاومة بكل الإمكانيات والوسائل، حتى لا تمرّ ولا تنفذ، ليس رفضا للسلام، بل على العكس إيمانا به على أن لا يكون سلاما مغشوشا أو منقوصا أو مشوها كذلك الذي حملته «خطة سلامهم»..
ولكن هذا الموقف وهذه الثوابت لا تعني بأي حال من الأحوال أننا لسنا مع السلام، لكن بطبيعة الحال ليس السلام المنقوص، سلام يحمل رائحة الظلم، وانتقاص الحقوق، الذي حملته صفقة القرن، إنما سلاما عادلا شاملا طالما ركزت عليه الثوابت الأردنية، ودعت لتطبيقه، دون ذلك سيبقى جرس الرفض الأردني الفلسطيني معلّقا دون تراجع أو حتى تحييد.
ولعلّ حجم الإنتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني المدنيين منهم تحديدا، واقتحام المقدسات، يتطلب تحريك ساكن العالم بأسره، فعلى العالمين العربي والغربي، تحمّل المسؤولية الحقيقية حيال ما يحدث، أمّا بقاء الحال على موضع «اللامبالاة» أو حتى المحايد، مسألة غاية في الخطورة، فعلى الجميع تحمّل مسؤوليته في حماية هذه الأراضي المقدسة، والتي لم يعد حارسا عليها سوى شعبها والأردن بقيادته.
جلالة الملك، الوصيّ الهاشمي على المقدسات في فلسطين، أعلن منذ اللحظة الأولى رفض الأردن لما أسموه «صفقة القرن»، ولم يترك مناسبة إلاّ وشدد على ضرروة تحقيق سلام عادل للقضية المركزية «فلسطين» وعلى الجميع عربيا ودوليا مساندة جلالته بهذا الشأن، فبقاء الوقوف في المساحات الرمادية لن يحقق شيئا، بل على العكس يطلق رصاصة الرحمة على سلام بات تحقيقه مستحيلا.
الملك، ومن يريفان عاصمة أرمينيا، يجدد التأكيد أمس على فخره بالوصاية الهاشمية، على المقدسات في القدس الشريف، بقول جلالته (يستمر هذا الإرث اليوم، مجسدا بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهي واجب أفتخر بأدائه)، وطالما جعل جلالته القدس موضع الإهتمام العائلي، إذ قال (تحمل القدس أهمية تاريخية كبيرة بالنسبة لي ولعائلتي، ولكنها أيضا مدينة مقدسة لأتباع الأديان التوحيدية الثلاثة، وللجميع مصلحة ومسؤولية في الحفاظ على الروحانية والسلام والعيش المشترك الذي تمثله المدينة، فلا يمكننا السماح للمدينة المقدسة أن تتحول إلى بؤرة للعنف والانقسام، فمن الضروري الحفاظ على هويتها ووضعها القانوني، وكذلك الوضع التاريخي القائم فيما يتعلق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء).
نعم قالها جلالته من جديد، لن نسمح للمدينة المقدسة أن تتحول إلى بؤرة عنف، وهذه مسؤولية دولية وعربية،على الجميع تحمّلها، رفضا لأي خطط سلام مشوّهة، فرفض «الصفقة» يحتاج ضوءا لا بقاء في الظل..