بقلم/ صلاح أبوزيد الخبير المصري من مجموعة الصين للإعلام
لم يأت عيد الربيع في يناير هذا العام كعادته محملاً بالبهجة والسعادة ولمَّ الشمل للشعب الصيني، بل تزامن مع تفشي وباء الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد، الذي ظهر في مدينة ووهان حاضرة مقاطعة هوبي، ليحيل أوقات الفرح إلى أيام من الترقب والحذر والخوف..
وفي معركتها الشرسة للوقاية من الوباء والسيطرة عليه ودحره، اعتمدت الصين على عدة مباديء أساسية طبقتها بصرامة، تمثلت في الشفافية والسرعة والشمولية والحسم، فمنذ البداية أكدت أنها لن تخفي أي معلومات خاصة بالوباء أو التسلسل الجيني للفيروس..
وحرصت على عقد مؤتمر صحفي يومي تعلن خلاله تطورات الموقف وعدد حالات الإصابة المشتبه بها والمؤكدة والوفيات في مختلف المقاطعات والمناطق والمدن.
وكان الرئيس شي جين بينغ واضحاً خلال لقائه مع مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، في بكين، منذ عدة أيام، حين قال إن الوباء هو الشيطان، ولا يمكننا السماح له بالاختباء، مؤكداً استعداد بلاده للتعاون مع المنظمة والمجتمع الدولي لحماية أمن الصحة العامة محلياً وعالمياً.
ورغم ما أثاره إعلان حالة الطواريء الصحية العامة من قلق عالمي، فإنه كان بمثابة ناقوس إنذار للمجتمع الدولي عامة والبلدان ذات الأنظمة الصحية الضعيفة والهشة خاصة لتوخي الحذر واتخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية والحماية..
وقد لفتت سرعة الصين في الاستجابة للوباء الأنظار، سواء في عزل الحالات المصابة أو توفير الطواقم الطبية أو إغلاق الطرق والمدن المصابة، فيما يشكل أكبر حجر صحي شهده العالم عبر التاريخ.
وكان إنشاء مستشفى هوشنشان في ووهان، المخصص لعلاج المصابين بالفيروس و الذي يضم 1000 سرير خلال 10 أيام فقط، بالإضافة إلى العمل الجاري على قدم وساق لتجهيز مستشفى آخر بسعة 1600 سرير، مثاراً للإعجاب والتقدير.
وقد استنفرت الصين كل إمكاناتها التكنولوجية والتقليدية والشعبية والعسكرية وبنيتها التحتية القوية في معركتها الشاملة ضد الوباء، فهناك رسائل عبر الهواتف المحمولة وسيارات تجوب شوارع المدن المتضررة، وهي تحمل مكبرات الصوت وطائرات مسيرة صغيرة لبث النصائح والتحذيرات والإرشادات، وهناك فرق طبية عسكرية متخصصة أرسلت إلى مدينة ووهان للمشاركة في علاج المرضى والسيطرة على الوباء.
والذي يعيش في الصين الآن منذ خروجه من بيته تواجهه الإجراءات الحاسمة، فأماكن التسوق ومحطات مترو الأنفاق والقطارات والمطارات المواصلات العامة ومؤسسات العمل لا تخلو من كواشف الحرارة التي يحملها موظفون مختصون يقيسون درجة الحرارة لكل الداخلين، بالإضافة إلى الكاميرات الحرارية التي ترصد كل ما ومن يدب على الأرض وتصدر التعليمات، وعمليات التطهير والتعقيم التي يقوم بها المختصون أكثر من مرة في اليوم للمباني العامة والمساكن والمصاعد والشوارع، ناهيك عن إمداد المستشفيات المعنية بالأجهزة اللازمة للكشف عن الفيروس في وقت قياسي، وتهيئة أقسام وغرف خاصة بها لاستقبال الحالات المشتبه بها أو المؤكدة وعزلها..
حتى الأحياء السكنية شكلت لجاناً عند مداخل مبانيها لتسجيل بيانات الداخلين لرصد أي حالات مشتبه في إصابتها والدائرة التي تعاملت معها..
كذلك اتخذت أجهزة الأمن العام إجراءات حازمة ضد من لا يلتزمون بالتعليمات أو لا يرتدون الكمامات في الأماكن العامة، وضد السلوكيات المنحرفة من شرذمة قليلة رصدت الكاميرات أفرادها وهم ينشرون الفيروس، مع التحذير من أي تجمعات قد تشكل فرصة للإصابة بالعدوى، حتى وصل الأمر إلى التندر على هذه الصرامة المبالغ فيها عبر مواقع التواصل الاجتماعي..
وكان لافتاً للأنظار أيضاً حرص الدولة على توفير السلع المعيشية ومستلزمات الحياة اليومية في الأسواق وتلافي أي تكدس جماهيري على المنتجات، والذي يذهب للتسوق حالياً لن يشعر بوجود نقص فيما يحتاج إليه من متطلبات ضرورية أو حتى ترفيهية.
ورغم مزايدات بعض الدول على الصين ومحاولة تسييس الأزمة لتحقيق منافع خاصة، فإنها تواصل معركتها الشاملة الحاسمة لحماية شعبها من ناحية، والتزاماً بواجبها تجاه المجتمع الدولي كدولة كبرى مسئولة من ناحية أخرى..
إن ثمة ضوءاً في نهاية النفق، وهناك ثقة تامة في الفوز بالمعركة ضد الوباء..