طلعت شناعة

كُلٌّ يغنّي على ليلاه !!

لماذا عندما يجلس المثقف بين مجموعة من النجّارين او القصّيرة او الخضرجية يشعر أنه غريب؟
لماذا عندما يجلس التاجر بين مجموعة من الحدّادين أو الميكانيكية لا يفتح فمه ولا يشاركهم الحديث، ثم يداهمه الإحساس بالغُربة، فيعتذر ويغادر الجلسة؟
ثمة جزُر مغلقة يعيش فيها الناس بشكل فئوي ونُخبوي، ولا قنوات اتصال بينهم.
المثقفون والكُتّاب يقرأون ويكتبون ويجلسون مع أنفسهم او مع بعضهم في صالونات وسهرات وقعدات. حياتهم ورق في ورق ونرجسية عالية ونقاشات مع ذات الأشخاص والمواضيع مكررّة. مع شيء او كثير من الاستعراض.
يعيشون داخل انفسهم ومع مراياهم. ابوب موصدة وحياة ذهنية مزدحمة بالقلق والتوتر وقلة الخبرات في المجالات المختلفة.
فعندما يكون الواحد منهم في منزله، وتعطلت» حنفيّة « المطبخ، لا يعرف كيف يركّب لها»جلدة»تمنعها من مواصلة» النزيف».
او عندما»يفلت» خرطوم الغاز» لا يدري كيف يضع له» مربط».
هو لا يستطيع ان يركّب»رفًّا» في المطبخ ولا يستطيع تركيب «قفل» لباب منزله.
لكنه «دودة» قراءة، «ذيبك» في « البنيوية» و» الخطاب المعرفي» و» الايكولوجي»
أصحاب المهن الأُخرى، ليسوا أفضل حالا من المثقفين.
النجّار او « الطرّيش» عالمه محدود بالخشب والدهان و» الأملشن». ونادرا ما يذهب لحضور ندوة او امسية شعرية او طبيّة. واذا ما «اضطرّ» لذلك، بالصدفة، تجده يقضي الوقت بالتثاؤب اذا لم يكن قد غرق في النوم.
إنه الانغلاق داخل أقفاص الحياة.دون ان نزداد خبرة في المجال الآخر. وبالتالي، يصيبنا الملل والتوتر والقلق والكآبة.
لا يوجد بيننا» ابو العُرّيف» الذي يفهم في «كل شيء». لكن على الأقل الاّ نستهلك وقتنا في التقوقع داخل أنفسنا.
بالنسبة لي، اكتشفتُ ذلك مبكّرا. فأغلب علاقاتي ليست مع المثقفين ولا الصحفيين، بل مع أصحاب المهن الأُخرى. ولعل أجمل «كاسة شاي» شربتها كانت عند»ميكانيكي» اعتدتُ الذهاب اليه،احيانا لتفقد سيارتي» المعطوبة دوما»، وغالبا من أجل التعرف على مزاج الناس. وكذلك «الحلاّق». اهم مكان في العالم، صالون الحلاقة، وخاصة يوم «الجمعة» وتحديدا في وسط البلد.تعال ياحبيبي واسمع الاراء من مهندسين واطباء وتجّار. او حين اذهب الى « مقهى صلاح الدين»،فأجد» البلّيطة» و « والطرّيشة» و»المتقاعدين» وأقدم بائع» دَحْدَحْ».
هل تعرفون ال»دحدح»؟
إشي زي الهرايس مكوّن من طبقة سميد وقرفة وجوز.
يعني مثل» الغنكوش».
هل تعرفون « الغنكوش»؟
انا ما بعرف!!