قررت
إدارة الرئيس الأميركي ترامب وفريقه تأجيل إعلان صفقة العصر للمرة
الرابعة، فقد سبق لواشنطن أن أجلت إعلان صفقتها ثلاث مرات بناء على رغبات
نتنياهو، حتى لا تسبب له حرجاً سياسياً أمام المستوطنين وأحزابهم، أو لكي
تخدم توجهاته السياسية بما يتفق مع أجندة برامجه كما حصل في إعلان الرئيس
ترامب الإقرار بضم القدس والاعتراف بها كعاصمة موحدة للمستعمرة الإسرائيلية
يوم 6/12/2017، والإقرار بالجولان السوري وضمها لخارطة المستعمرة يوم
25/3/2019.
تأجيل فريق ترامب في إعلان مضمون الصفقة وبرنامجها يعود لعدة أسباب:
أولاً:
صلابة الموقف الفلسطيني في رفض مقدمات الصفقة وتداعياتها ومجمل السياسة
الأميركية في التعامل مع قضية فلسطين، ورفض استقبال مبعوثي ترامب وممثليه
الثلاثة كوشنير وجرينبلات وفريدمان، وبذلك وجهت القيادة الفلسطينية لطمة
سياسية قوية للإدارة الأميركية ولأدواتها في الضغط والإفقار، فبدلاً من
الانحناء الفلسطيني، امتلك الفلسطينيون القدرة على جعل الانحيازات العربية
والإسلامية والدولية عوامل إسناد لموقفهم كما ظهر ذلك في قمم الظهران
15/4/2018، وتونس 28/3/2019، ومكة المكرمة 30/5/2019.
ثانياً: الأزمة
السياسية التي اجتاحت المستعمرة الإسرائيلية على خلفية فشل نتنياهو في
إدارة معسكر اليمين واليمين المتطرف والمتدين اليهودي المتشدد، وفشله
بالتالي في تشكيل الحكومة، وما سبب ذلك من إرباك للمشهد السياسي
الإسرائيلي، ولمعسكر ترامب وفريقه الصهيوني الحليف لليكود وللاتجاهات
اليمينية المتطرفة لدى المستعمرة الإسرائيلية.
ثالثاً: الانحياز الأردني
لعدالة الموقف الفلسطيني ودعمه، والعمل على حشد البلدان العربية
والإسلامية والدولية لصالحه، على الرغم من العلاقات الاستراتيجية التي تربط
عمّان مع واشنطن، مما أربك معسكر أصدقاء أميركا وأدواتها، وتصليب مواقفهم
باتجاه دعم الموقف الفلسطيني، وعدم الاستجابة للضغوط والرغبات الأميركية
المسخرة لمصلحة العدو الإسرائيلي، والمكرسة لخدمة مخططات الليكود في التوسع
والاستيطان وابتلاع الضفة الفلسطينية وتهويد القدس وأسرلتها.
عوامل
ثلاثة لعبت دورها مكملة لبعضها البعض، وكأنها حفلة يقودها مايسترو أجاد
ترتيب الفرق وتمتين الأوتار لتكون حصيلة النغم عملية واقعية تتفق مع حقوق
الشعب الفلسطيني وتطلعاته، وبما لا يمس المصالح الوطنية الأردنية نحو
مسألتي القدس واللاجئين.
لم تتوقف إدارة ترامب أمام خبرات الإدارات
الجمهورية التي سبقتها: بوش الأب 1991، وبوش الابن 2007، والإدارات
الديمقراطية: كلينتون 2000، وأوباما 2009 - 2016، وحصيلة فشل هذه الإدارات
الأربعة في التوصل إلى تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن هذه
الإدارات لم تمتلك القدرة على ثني المستعمرة الإسرائيلية عن سياسة الضم
والتوسع والاستعمار والعنصرية، بل عملت إدارة ترامب على شطب قضايا الصراع:
1- عودة اللاجئين، 2- استعادة القدس، 3- إزالة المستوطنات، 4- ترسيم الحدود
وفق حدود 1967، بل عملت على تكنيس هذه القضايا عن طاولة المفاوضات
والتسليم بها بما يتفق ورؤية المستعمرة الإسرائيلية وأطماعها التوسعية.
ولم
تتعلم إدارة ترامب من خبرات الإدارات السابقة التي فشلت في ممارسة الضغوط
لدفع القيادة الفلسطينية عن التراجع وتمسكها بحقوقها ورفضها التسليم بالأمر
الواقع الذي تصنعه آلة الحرب والتفوق الإسرائيلية، وبقي الفلسطينيون
صامدين متماسكين وحصيلة ذلك الفشل الأميركي، وتمثل ذلك بقرارات وزراء
خارجية البلدان العربية، والقمم العربية، وقمتي إسطنبول 14/12/2017، ومكة
المكرمة 31/5/2019 الإسلامية، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة
23/12/2017، الرافضة جمعيها لسياسة ترامب بشأن فلسطين والتأكيد على حقوق
الشعب الفلسطيني.
نصائح الملك عبدالله لفريق ترامب، أثبتت صحتها وواقعيتها ودلالاتها، لها ما تعنيه من إدراك وبُعد نظر.