خفض اسعار الفائدة، مهد له مسبقا رئيس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي، بتقليله من اثر التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية، وتركيزه على تباطؤ سوق العمل بوصفه مؤشرا مبكرا على ركود محتمل يستدعي تحفيزا نقديا، ما مثل سعيا منه لتقديم اسباب موضوعية للخفض، حتى لا يفهم القرار على انه رضوخ لضغوط الرئيس ترامب.
السؤال المهم، هل للاردن مصلحة في خفض الفائدة؟ الاجابة السريعة نعم، فالاقتصاد الاردني تضرر من ارتفاع اسعار الفائدة، وتجلى ذلك بتراجع الانفاقين الاستثماري والاستهلاكي، لان الفائدة المرتفعة لا تتناسب مع متطلبات الاقتصاد الوطني، وتعاكس حاجته الفعلية الى مزيد من التحفيز الاقتصادي والمالي والنقدي من خلال خفض الكلف وعلى رأسها كلفة التمويل، حيث ساهم تثبيت الفائدة على ارتفاع، في كبح النشاط الاقتصادي العام.
لذلك، فخفض الفائدة يساهم، ولو جزئيا، في التخفيف من كلف خدمة المديونية محليا وخارجيا- مقدرة بنحو 2.2 مليار دينار-ناجمة عن 46 مليار دينار مديونية موزعة بين دين داخلي 15.534 مليار دينار. ودين للضمان الاجتماعي 10.655 مليار دينار. ودين خارجي 19.825 مليار دينار اكثر من 71 ٪ منه مقوم بالدولار، اي نحو 14.1 مليار دينار -او ما يزيد عن 20 مليار دولار-
ما يعني ان اي تراجع في اسعار الفائدة ربع/ نصف نقطة مئوية، ينعكس مباشرة على كلفة خدمة الدين بشكل عام والدين الخارجي بشكل خاص، لانه يخفض مدفوعات الفوائد خصوصا على القروض ذات الفائدة المتغيرة، او تلك التي يمكن اعادة تمويلها بشروط افضل، مما يوفر عشرات ملايين الدولارات سنويا، وهو وفر وان بدا محدودا، الا انه يمنح المالية العامة هامشا اكبر لتوجيه الموارد نحو الانفاق التنموي، ودعم القطاعات الانتاجية، بدلا من استنزافها في خدمة الدين.
انخفاض الفائدة الاميركية يساهم كذلك، في تحسين شروط الاقتراض الخارجي، اذ يصبح اصدارات السندات وعلاوات المخاطر اقل كلفة، ما يتيح للحكومة فرصة لتنويع مصادر التمويل، واطالة آجال الاستحقاق، ضمن ظروف اكثر ملاءمة واستدامة على المدى المتوسط والطويل.
كما يسهم في تحسين شروط الاقتراض الداخلي، عبر تخفيف كلفة التمويل على الشركات، والمستثمرين والقطاعات الاقتصادية ومنها التصديرية والافراد، مما يطلق انفاقا كان موجها لسداد الفائدة المرتفعة ليعم الفعاليات التجارية والخدمية الاخرى.
ايضا، يؤثر تخفيض الفائدة على التجارة الخارجية؛ وان كان متباينا حسب الشريك التجاري، فمع تراجع الدولار امام اليورو والين والاسترليني؛ وبحكم ارتباط الدينار بالدولار بسعر ثابت ينخفض سعره امام تلك العملات، ما يجعل الصادرات اكثر تنافسية في الاسواق الاوروبية والاسيوية، لكن في المقابل ترتفع كلفة المستوردات من تلك الدول ما قد يضغط على فاتورة الاستيراد، ويؤدي الى زيادات في مستويات الاسعار محليا.
اما فيما يخص التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، فتاثير خفض الفائدة يظل محدودا وبالذات لجهة الصادرات بسبب ثبات سعر الصرف، لكن ومع ذلك يعزز الخفض الطلب الاستهلاكي الاميركي، ويوفر بالتالي فرصا اضافية لبعض الصادرات الاردنية شريطة تجاوز عقبة الرسوم الجمركية وبالذات لجهة تخفيض مدخلات الإنتاج، ورفع جودة المنتجات التصديرية.
في السياق، بينت التجربة السابقة حين كانت الفائدة على الدولار قريبة من الصفر، ان الاستفادة من هذه الوضعية النقدية كانت محدودة تجاريا، وان استفادت الحكومة من اصدارسندات بكلفة منخفضة، ونشاط في بعض القطاعات العقارية والخدمية لانخفاض اسعار الفائدة المحلية، لكن دون تحويل ذلك الى نشاط مستدام يكبح ارتفاع البطالة، او يكرس نموا اقتصاديا مرتفعا.
اليوم، تبدو الفرصة امام الاردن واضحة لكنها مشروطة بالقدرة على توظيف الوفر المالي التدريجي مع كل خفض اضافي في الفائدة؛ في اعادة هيكلة الانفاق العام، وتعزيز تنافسية الاقتصاد، ودعم الانتاج المحلي، الذي يؤدي بدوره الى زيادة الصادرات.
خفض الفائدة، ليس نهاية المطاف؛ بل بداية لمسار اقتصادي يمكن لنا الاستفادة منه اذا ما توافرت الرؤية والادوات والارادة؛ باعباره اداة تمكين للاصلاح الاقتصادي، وتعزبز للاستقرار المالي والنقدي، والنمو المستدام.