من محمد الأصغر محاسنة - بحضور لافت من المثقفين في مدينة اربد وخارجها رعى أمين عام وزارة الثقافة الدكتور نضال العياصرة مساء أمس الإثنين حفل افتتاح مهرجان إربد الشعري الخامس الذي نظمته مديرية ثقافة إربد بالتعاون مع ملتقى سحم الثقافي.
الحفل الذي أداره مفيد طوالبة، وحمل اسم الناقد الدكتور عبد الفتاح النجار، تكريما له على إسهاماته في إثراء الحركة النقدية في الأردن، بدأت فعالياته بالسلام الملكي وآي من الذكر الحكيم وكلمة ترحيبية لرئيس ملتقى سحم الثقافي الروائي مطر طوالبة رحب في البداية براعي المهرجان العياصرة والحضور وأهل المحتفى به شخصية المهرجان الدكتور عبدالفتاح النجار ، وأثنى شكره لمديرية ثقافة إربد ممثلة بالأديب الشاعر سلطان الزغول على التشاركية الدائمة والمثمرة مع الهيئات الثقافية، ومد جسور التعاون والرابط لتكون الهيئات الثقافية الرافد الأساسي والشريك المستمر للعمل الثقافي.
راعي المهرجان الدكتور نضال العياصرة تحدث في كلمته عن الراحل النجار قائلا "نستذكر اليوم حياة الراحل الدكتور عبدالفتاح النجار، الذي ندعو له بالمغفرة، فإننا نستذكر المعلم الذي أودع علمه قلوب الأجيال وعقولهم ووجدانهم. ونستذكر الإنسان في رحلة العلم رغم قسوة الحياة، ونستذكر جهوده البحثية والعلمية وانحيازه للتحديث والجديد. فقد مثلت حياته رحلة علمية وثقافية امتدت لعقود من العمل في التعليم الجامعي والتأليف والنقد، وأسّس خلالها لمسيرة فكرية ونقدية تركت أثراً في المشهد الثقافي الأردني.
وأضاف: نستذكر الدكتور الإنسان، الذي كان مخلصا لقضايا الإنسان ومخلصا لوطنه، وهو المولود في الفالوجة التي خرج منها طفلا، وظل يحلم بالعودة إليها، وكان الأدب فضاءه للحلم بتمثل صورة الوطن واستعادته في النص.
إلى ذلك نوّه العياصرة إلى أن النجار رغم قسوة الحياة بعيد النكبة ومن بعدها النكسة، فقد استطاع أن يحقق أعلى ما يمكن أن يصل إليه في مراتب العلم والفكر حيث واصل مسيرته التعليمية حتى حصل على درجة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية. ثم نال دكتوراه أُخرى في النقد الأدبي الحديث، ليجمع بذلك بين التكوين اللغوي المعمق والرؤية النقدية، وهو ما انعكس على أعماله ومقاربته للنص الأدبي.
ن جانبه تحدث الدكتور مصلح النجار في كلمة مؤثرة باسم عائلة الفقيد مستذكرا كل الأمكنة التي عايشتها العائلة مع والده، وعن إربد مسقط الرأس وكل الذكريات الخالدة والحوارات الساخنة في الأدب والسياسة، حكايات المكتبة ، أماكن الجلوس في البيت ، علاقته بأهل بيته ، اصحابه ، الورق الذي كتب عليه كل ما كان يحب . ويعود مرة أخرى إلى الحنين والدفء العائلي المملوء بالود والمحبة يستذكر علاقته بالوالدة والذكور والبنات ، حتى خيم الحزن على البيت يوم رحيله ، يوم شيعه احبائه في مدينة اربد مسقط الرأس التي كانت مهوى فؤاده واقام فيها وعاشها وعاشته منذ ١٩٥٧ حتى حين كان عمله في عمان كان يهرب اليها كل اسبوع مرة او مرتين ويتجول بسيارته من شارع بغداد الى شارع فلسطين ، ومن شارع الهاشمي الى شارع السينما وحكما وفوعرا ، ومن كشك الزرعيني الى مكتبة عطية ، حتى يومه الأخير .
الدكتور نبيل حداد أستاذ الأدب العربي في جامعة اليرموك استهل حديثه قائلا: بأن احتفالنا هذا يؤكد معاني الوفاء للدكتور عبدالفتاح النجار احد المؤسسين لحركة ثقافية في الستينيات لمجتمع شمال الأردن ولازلنا لليوم نحن التلاميذ والمريدين نستهدي بدورها ونعم بعطائها العقلي والوجداني ، مما عزز لدي نضج فكري واجتماعي وانساني جعلني أميز بين الغث والسمين حين تعرفت على النجار وشحادة الناطور . وعن قصة الرصيف ، رصيف الكتب بدأت قصة الحاح، عطية عمران ، والزرعيني في فترة الستينيات في عرض الكتب القديمة والمجلات . وعن جوانب اخرى في حياة النجار، جوانب استثنائية.
وأضاف الدكتور نبيل حداد " هناك جوانب استثنائية من حياتي وحياة جيل بأكمله من أبرزها العصامية كان من الممكن أن تسجل بقلم روائي ليحصل على ارفع الجوائز ، رحلة اتخيلها توازي ما سجله الروائي وارسكين كالدوين وغيرهم من اعلام الأدب الأمريكي الحديث. واختتم حداد بالترحم على الصديق عبدالفتاح النجار الإنسان المعطاء الذي الهم الكثيرين من جيلي وجيل من جاء من بعدي بأن الحياة رسالة وعطاء وقدوة ومودة.
الناقد والشاعر نضال القاسم قال في الورقة التي قدمها من عشر إضاءات على حياة ومسيرة الراحل عبد الفتاح النجار إن النجار يعتبر من العلامات البارزة والمهمة الذين اشاروا مبكرا للمشهد الثقافي الأردني المعاصر، ومن أبرز النقاد الأردنيين الذين أسهموا في تنشيط الحركة الأدبية في الأردن.
وأشار إلى أن الناقد الدكتور النجار يعتبر واحداً من أبرز النقاد الأردنيين الذين أسهموا إسهاماً مبكراً في تسليط الضوء على الحركة الشعرية الأردنية المعاصرة، منحازا اليها لما لها من دور على الساحة العربية.
وأضاف القاسم في ما قدمه من إضاءات: يسجل للنجار أنه كان أحد مصادر إشعاعها وبواعث ارتقائها وانطلاقتها في عالم الحداثة شكلاً ومضموناً، ومن الذين أخذوا على عاتقهم التعريف بالأدب الأردني المعاصر، فقد توجه إلى النقد دفاعاً عن الأدب الأردني بعد أن أستشعر أن هذه التجربة الوليدة عرضة للهجومات والسهام النقدية .
وقرأ الشعراء المشاركون في الأمسية بمرافقةوعازف العود غسان عباسي قصائد عاينت هموم الذات والحياة والحال العربي ، استهلها الشاعر أكرم الزعبي بقصيدة بعنوان " يوميات قهرية "، نقتطف منها:
في البدء كان الكاف كونا
كنت أخشاه يكون
أبصرتني أمشي إليك
فصرت كونك
كي أكون .
الذنب لي إلا ذنوب الخطائين
لا وزر يحملني على أكتافه
لا صك يعطيني البراءة
ما يلي الأمي في سفر القراءة ! .
ومن جانبه قرأ الشاعر أمين الربيع قصيدتين " رسالة مفقودة لإخوان الصفا " لا أُريد على القبر " .ومن قصيدة "لا أريد على القبر" :
لا أُريدُ على القبرِ نقشًا يُميِّزُهُ.
ليكن هامشيًا، بعيدًا عن الدَّربِ والوقتِ،
مستويًا، ووديعًا كجيرانهِ الصَّامتينَ
وشيءٌ من العشبِ يوجزُهُ.
لا أُريدُ عليهِ زهورًا مُنمَّقَةً، ليكن مُهملًا
تتقافزُ من فوقهِ سَخْلةٌ
ويحطُّ الغُرابُ عليهِ
وتجمعُ أرواحَهُ النَّحلُ شهدًا ستُفرزُهُ.
الحياةُ مُعقَّدَةٌ كأحاسيسِ طفلٍ حديثِ الولادةِ،
مُربكةٌ كبقايا الولائمِ، تافهةٌ ومُقدَّسةٌ كالتُّرابِ،
وشطْرٌ من الشِّعْرِ مُشتَبَهٌ وحدَهُ الموتُ يُنجزُهُ.
من جانبه قرأ الشاعر أحمد كناني قصيدة* لثغة * ومنها ":
ما كنتُ ألثغُ
إذ كتبتكِ في زمانِ طفولتي
نقشاً على الجدران،
فوق دفاتري
حرفاً بذاكرة الحديقة
كي يظلّ الوردُ أبهى
والرّبيعُ يطلّ من ناي الرّعاة
وكنتُ أحلمُ بالمواسم
أوقظُ اللّحنَ الحبيسَ
وأحتفي بغناء أمّي
حين أطربتِ المياهَ ورقّصتها في الجرار
وحين علّمتِ الطّيورَ غناءَها
فغفت سنونوةٌ على كتف السرير
كأنها أختي الصغيرةُ
ما كنتُ ألثغُ
إنّما غامَت بعينيَّ العبارةُ
كنت أسمعُها بإحساس الرّعاةِ
وأقطف الحرفَ النقيَّ كنعنع الوديان
كنتُ أذوبُ قربَ النّبع إذْ يَرِدُ الحجلْ
ما زال جدّي يملأ الجرنَ القديم
لِتشربَ النّحلاتُ ماءَ الله
في "بَردِ السّبَل "
جدّي تتلمذَ في تلال الرّيحِ
كان النّايُ أستاذًا تعلّمَ منهُ كيف يصوغُ
ألحانًا مُنَقّاةً
وكان يغربلُ النغماتِ
يترك ما تساقط من ثقوب الناي .
الشاعر محمد تركي حجازي قرأ قصائد متنوعة، ومن قصيدة " حوران "
أوحت حدائقها وأوحى الماءُ
وهمتْ وكل العاشقين ظماءُ
قصيدة من قصاصات مشنقة
ما للظباء على كفيك تنتحبُ
وملء عينيك ليلٌ باردٌ تعِبُ؟ .
واختتمت الشاعرة ايمان عبدالهادي بقصيدة لغزة مطلعها "عنِ البِنتِ التي سَلَكتْ طَريقاً
خِلالَ السّورِ؛ لو تزداد عِتقا !
.
عن الولدِ الذي غنّى؛ لينجو
فصارَ جناحُهُ العلويُّ طَوْقا
.
عنِ البحرِ الذي مَرجَ المعاني
وحينَ أضاءَهُ الفُسفورُ شُقّا !
.
طُيورُكِ في الصّحونِ
دمُ الصَّبايا على الأكوابِ
جرحكِ صارَ وَدْقا
.
كأنَّ (إبادةً) نَسخَتكِ نهراً
عظيماً
زادَهُ التّيّارُ عُمقا
.
أحبّكِ في الشّتاءِ لأنّ سيفاً ضبابيّاً... يُسمّى الآنَ برقا
.
أحبكِ في (الخريفِ)، عِداكِ صُفْرٌ
وقد سقطوا على الأسوارِ:
حمقى !
.
أحبّكِ في الرّجوعِ فأنتِ "بيتٌ"
وأنتِ من الذينَ نَسُوكِ أبقى ..
وفي نهاية حفل المهرجان كرم الدكتور نضال العياصرة راعي الحفل والدكتور سلطان الزغول مدير المهرجان ومدير ثقافة اربد، والروائي مطر طوالبة رئيس ملتقى سحم الثقافي المشاركين بشهادات تقديرية.