يتابع الأردنيون مباريات المنتخب الوطني في كأس العرب، بشغف وفخر، لأنه يلعب كرة قدم متطورة فعالة منتجة، بتمريرات حاسمة، وأهداف جميلة، وانتصارات متتالية، صنعت متعة وثقة، ورفعت سقف التوقعات بأداء جميل في كأس العالم القادمة.
في المقابل، يتابع الأردنيون مباريات الموازنة، حيث ما زالت تلعب بكثير من الحذر، وبعض الإبداع الإضافي، رغم أن حجمها 13.06 مليار دينار غير الإضافي البالغ 1.870 مليار دينار موازنة المؤسسات المستقلة، وهي تعتمد على لاعبين: الرأسمالي كمهاجم وحيد تقريبا بمخصصات 1.6 مليار دينار أي نحو 12.3 ٪ من إجمالي الإنفاق، والجاري الذي يلعب بدون كرة معظم الأحيان، ويركض كثيرا بلا تمريرة حاسمة، أو صناعة فرص جميلة، بمخصصات 11.5 مليار دينار تشكل 88 ٪ من الإنفاق الإجمالي.
الموازنة تدخل مباراة الثقة بها، وقد حددت هدفها سلفا نموا بنسبة 2.9 ٪، وهو نمو يصعب عليه اختراق دفاع البطالة مثلا عند 21.4 ٪، ما يعني أن كثيرا من أرقام الموازنة تبدو كفرص أمام المرمى، لكنها تنتهي إما بتسديدة على القائم، أو تسلل، أو فاول، أو في حضن حارس المرمى، رغم الجهد المبذول فيها.
هنا فالتحسن في الإيرادات المحلية بنسبة 9.9 ٪ هو تمريرة جيدة في منتصف الملعب، لكنها دون اختراق قوي لدفاعات الخصم طالما أن بند كلفة فوائد الدين يشكل 2.26 مليار دينار أي نحو 21 ٪ منها، ليكون أشبه بحائط صد أمامها يمنع دخول أي ركلة حرة للمرمى، وتجعله مع بند العجز -بعد المنح- البالغ 2.125 مليار دينار بطاقة صفراء متكررة يصعب بدون تغيير التكتيك تجنب تحولها إلى بطاقة حمراء في شكل دين جديد.
الأهم، غرفة الملابس، حيث المؤسسات المستقلة كلاعبين برواتب أوروبية وأداء محلي، مع مخصصات تقارب 1.9 مليار دينار بدون أن تقدم لعبا ممتعا، أو تشكل فرقا في الأوقات الحاسمة، ناهيك عن النفقات التشغيلية، التي تستهلك المساحات، وتكبح تشكيل منظومة هجومية متناغمة، رغم وجود مواهب اقتصادية حقيقية تحتاج فقط لمن يحسن استخدامها.
وحده الإنفاق الرأسمالي، يبدو كمهاجم، وكصانع ألعاب، بلا ظهير أو جناح يسانده، ما يعني حاجته الماسة لمهاجم استثماري رفيع المستوى، خصوصا وأنه يلعب على أكثر من خط: الدفاع، بمشاريع مستمرة تأخذ أكثر من 53 ٪ من جهده، الوسط، بمشاريع قيد التنفيذ تأخذ 37.6 ٪ من وقته الإضافي، والهجوم بمشاريع جديدة تشكل نحو 9 ٪ فقط مما تبقى لديه من جهد ولياقة، ما يجعله عاجزا عن تقديم لعب جميل، أو تسجيل الأهداف.
الموازنة، حاولت إدخال لاعبين جدد: رؤية التحديث الاقتصادي 296 مليون دينار، الناقل الوطني 60 مليون دينار، التنقيب عن الغاز 35 مليون، البلديات 210 ملايين دينار، المحافظات 100 مليون دينار، النقل العام 26 مليونا، الحماية الاجتماعية 670 مليون دينار، لكن بعضهم يلعب لأول مرة أو يلعب قليلا، حيث تنقصه حساسية المباريات، ما يعني أن دورهم يقتصر على تمريرات عرضية للاعب الرأسمالي في منتصف الملعب.
المنتخب الوطني لكرة القدم نجح، لأن اللعب كان مباشرا، والأدوار واضحة، والخطة جريئة، واللياقة عالية، وهو ما تحتاجه الموازنة التي ما زالت تلعب على الأطراف، وبتمريرات عرضية قليلة الاختراق الهجومي، معتمدة على الدفاع المالي أكثر من الهجوم التنموي، ومعولة على ضبط النفقات دون هيكلة الإيرادات وبالذات الضريبية، واستبدال لاعبي الفوائد العالية بفوائد منخفضة مع سنوات لعب أطول، وهو جميعها جيدة، لكنها تظل أداء في وسط الملعب.
المواطن، ينتظر من الموازنة أهدافا تحقق دخلا أعلى، وفرص عمل أكثر، وخدمات أفضل، وحركة اقتصادية نابضة بالمتعة والابتكار تماما كما أهداف المنتخب الحاسمة.
وعندما تتوقف الموازنة عن لعب كرة مالية حذرة -وإن كانت مبررة أحيانا- وتبدأ لعب كرة هجومية وهو المنتظر، تصبح كما المنتخب مصدر فرح وثقة، وحين تتحول الإيرادات إلى تمريرات حاسمة، والإنفاق الرأسمالي إلى أهداف تنموية، والدين والعجز إلى تحديات يمكن تجاوزها، يصبح لدينا اقتصاد لا يتفرج عليه الناس من الشاشات بل يهتفون له في المدرجات.