أعادت حكومة الدكتور جعفر حسان في عامها الأول تعريف مفهوم العمل الحكومي عبر إرساء أسس جديدة للعمل الميداني والتنمية الخدمية المستدامة مستعينة بزيارات ميدانية بلغت 93 موقعا، أدت إلى تنفيذ أكثر من 242 إجراء مباشرا على أرض الواقع.
وجاءت هذه السياسات ضمن رؤية تحديث اقتصادية تتجاوز العمل المكتبي، وتتوجه نحو التطبيق العملي الذي يركز على مواجهة التحديات الواقعية للمواطنين في المناطق المركزية والأطراف من خلال إشراكهم المباشر في صياغة الحلول التنموية.
ويعكس هذا النهج التزاما واضحا بالشفافية، حيث تنشر تقارير الإنجاز بشكل دوري، ما يعزز الثقة بين الحكومة والمواطن، ويضع المؤسسات أمام اختبار فعلي في تقديم الخدمات وتحقيق التنمية المستدامة.
وفي ظل توجيهات ملكية مستمرة، يسعى هذا النهج إلى إحداث نقلة نوعية في الأداء الحكومي، عبر تفعيل منظومة عمل جديدة تركز على المراقبة المباشرة والمتابعة الحثيثة، ما يضع الحكومة على مسار من الإنجاز والتنمية الشاملة، ويعزز من قدرات المجتمع على المشاركة والتفاعل مع قضايا الوطن.
وقال خبراء في الاقتصاد والتنمية لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن ثمة ارتباطا وثيقا تقوم به الحكومة، حيث جعلت العمل الميداني "المرجعية الأولى" التي ينطلق منها المسؤول في تحديد متطلبات التنمية التي تخص مؤسسته في التحديث الاقتصادي.
وأشاروا إلى أن الحكومة الحالية عززت الثقافة المؤسسية فيما يخص القرار؛ وأن العمل الميداني هو السبيل الصحيح الذي يضع المسؤول أمام واقعية الحالة، وبالتالي واقعية القرار المتخذ.
وأكدوا أن اجتماعات مجلس الوزراء في المحافظات واللقاءات اليومية في مناطق المركز والأطراف، لا بد أن تولد الفعل الميداني ذاته لدى كوادر الصف الثاني والثالث في الوزارات والمؤسسات، ما يؤدي إلى بناء منظومة عمل حكومية جديدة يتم فيها تنشيط العمل العام وإرساء ثقافة التشاور والتحاور واتخاذ الحل الذي يخدم الجميع.
وأوضحوا أنه خلال نحو أحد عشر شهرا فقط، جاءت الزيارات الميدانية للحكومة إلى 93 موقعا، بحسب تقرير صادر عن رئاسة الوزراء، وخلال هذه الفترة القصيرة، جرى اتخاذ 242 إجراء من قبل الحكومة؛ لتصويب وتطوير ومعالجة وتنفيذ القرارات التي اتخذت في هذه الزيارات، ما يعني إحداث دائرة من التكامل العملي بين المؤسسات عندما تنفذ وتحفز وتعالج الظروف المعيقة وصولا إلى اتخاذ الإجراء الذي تطلبته الزيارة.
وأكدوا أن العمل الميداني كان أرضية خصبة أفضت إلى اتخاذ الحكومة مجموعة قرارات تمس المواطن بشكل مباشر، مثل اطلاق مشروع النقل الموحد بين عمان والمحافظات، وتحويل أموال بيع الأرقام المميزة للمركبات إلى صندوق دعم الطالب، وإقرار تسوية النزاعات الضريبية لدعم الأنشطة الاقتصادية، وإعفاء الغرامات المالية المتراكمة على مطالبات الأحوال المدنية، وتسويات المنازعات الجمركية، والإعفاء من غرامات تأخير ترخيص المركبات، وإعفاء 50% من رسوم تراخيص النقل العام لعام 2025، وتخفيض الضرائب على مركبات البنزين والهايبرد والكهربائية، وتقديم حوافز ومزايا لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية بالطرق التقليدية أو المتجددة.
كما أنشأت الحكومة صندوقا لدعم صناعة المواد الغذائية، وأطلقت الاستراتيجية المحدثة للحماية الاجتماعية، وخفضت ضريبة الدخل على أرباح الخدمات المحلية، وأعفت أرباح صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات من الضرائب لمدة 10 سنوات، وسهلت إجراءات التمويل والتشغيل لمشاريع صغيرة ومتوسطة في مختلف الحقول الزراعية والبيئية والسياحية والصناعية، ورقمنة منظومة عمل الموانئ والشحن في العقبة، والالتزام بأتمتة جميع الخدمات بحلول عام 2026 لتسهيل الأمور على المواطنين.
ووفقا للتقرير، زار رئيس الوزراء 22 موقعا ضمن القطاع الصحي، تخدم 5 ملايين مواطن، وتم بخصوصها اتخاذ 54 إجراء كاملا، وفي قطاع الرعاية الاجتماعية والخدمات المحلية، زار 18 موقعا استفاد منها 300 ألف مواطن، وتم اتخاذ 36 إجراء، من بينها تمكين ودعم جمعيات بأدوات تشغيلية تساعدها على الإنتاج والعمل، واستغلال المياه، وإنشاء الحدائق والملاعب، وتزويدها بوسائل رفاهية آمنة للأطفال والزائرين، وتقديم وسائل نقل، وأعمال صيانة، ودراسة للمراكز الاجتماعية، وتوفير غرف خاصة بالمدارس لذوي الإعاقة، ودعم لجان المخيمات، ودعم أسر الشهداء بالطاقة المتجددة، وغيرها.
وأكدوا أن هذه الجولات أدت إلى فتح ورشة صيانة وإعادة تأهيل للعديد من المراكز الصحية والمستشفيات في مختلف المحافظات والألوية والقرى، وتزويدها بالأجهزة، والمختبرات، والكوادر الطبية والتمريضية، وتوسعة العيادات الخارجية، ونقل بعضها إلى مبان أخرى، واستحداث وحدات غسيل الكلى، وتطوير أقسام العناية الحثيثة والطوارئ والأشعة، ووضع حجر أساس لمستشفى مادبا الجديد، وتحسين مساكن الأطباء، وتطوير الإجراءات الإلكترونية الصحية، وغيرها.
وفي هذا الصدد، قال عميد كلية الطب بالجامعة الهاشمية، وعضو فريق إعداد البرنامج التنفيذي الثاني لرؤية التحديث الاقتصادي، الدكتور محمد عبد الحميد القضاة، إن العمل الميداني في المجال الصحي أسهم بشكل واضح في وضع تصورات تم على أساسها التخطيط للمرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادية.
وأضاف "ما هو أهم من الزيارات الميدانية، هو المتابعة الحثيثة للملاحظات في هذه الزيارات، حيث حدد رئيس الوزراء سقفا زمنيا واضحا لتنفيذ كل ملاحظة، ما أسهم في تحسين نسبة الإنجاز في المرحلة الأولى من رؤية التحديث الاقتصادي".
وفي قطاع التدريب، زار رئيس الوزراء 4 مواقع، يستفيد منها 1000 شاب وشابة، وتم اتخاذ 12 إجراء كاملا بشأنها، وفي قطاع الشباب، زار رئيس الوزراء 10 مواقع، يستفيد منها أكثر من 10 آلاف شاب وشابة، إضافة إلى مدينة الحسين للشباب التي تخدم 42 اتحادا رياضيا، ويرتادها سنويا 2 مليون زائر، وتم اتخاذ 47 إجراء كاملا بشأنها.
ونتيجة لهذه الزيارات، تم تزويد العديد من المراكز الشبابية بالمعدات والأجهزة التعليمية والرياضية والإلكترونية، ودعم تطوير الأعمال الرقمية، وتسويق المنتجات المحلية، والحرف اليدوية، وصيانة بعض المراكز، واستئجار مبان جديدة، وتحسين وضع المراكز بشكل عام، لتكون منصة انطلاق نحو التميز والعمل والإبداع.
وفي قطاع الإنتاج، زار 12 موقعا يستفيد منها أكثر من 10 آلاف مواطن، وتم اتخاذ 18 إجراء كاملا بشأنها، وفيما يتعلق بقطاع السياحة، زار رئيس الوزراء 7 مواقع، يرتادها 70 ألف زائر سنويا، وتم اتخاذ 19 إجراء كاملا بشأنها.
ووجه الدكتور حسان المؤسسات لتسهيل إجراءات المشاريع الإنتاجية والصناعية والزراعية والسياحية في العديد من المناطق التي زارها، وتذليل جميع الإجراءات التي تعيق هذه المشاريع، كما تم تطوير واقع الخدمات في بعض المدن الصناعية، وإعفاء شركات الإنتاج من تكاليف الترخيص، وتحفيز المشاريع التشغيلية للأفراد والجمعيات من خلال الإعفاءات، وحل مشاكل النقل لدى العاملين في المناطق الصناعية.
واعتبر مدير البرامج في معهد السياسة والمجتمع، الدكتور حسين الصرايرة، أن العمل الميداني محاولة لإعادة تعريف علاقة الحكومة بالمواطن، والمؤسسة العامة معا.
وقال "هنا يبرز الأثر المؤسسي، فالوزارات لم تعد قادرة على الاكتفاء بالتقارير الورقية، بل أصبحت مطالبة بمتابعة المشاريع وتنفيذ التعليمات ضمن أطر زمنية قصيرة، تحت رقابة مباشرة من رئاسة الوزراء".
وتابع، إن العمل الميداني للحكومة يعيد تعريف مفهوم المساءلة المؤسسية أمام المجتمع المحلي، وفتح نافذة ثقة جديدة عندما يرى المواطن إصلاح مدرسة، أو توسعة مستشفى، أو إعادة تأهيل طريق بعد زيارة رسمية، فهذا يعيد الاعتبار لدور المؤسسات خاصة في مناطق الأطراف.
ومن الناحية التنموية، بين الصرايرة أن هذه الزيارات تحولت إلى محفز مزدوج ومركب، للمجتمعات المحلية من جهة، إذ شجعت الشباب والنساء على طرح مبادرات قابلة للتحول إلى مشاريع فعلية وأدوات للحكم، وللمسؤولين المحليين من جهة أخرى، حيث أصبحت أي زيارة ميدانية بمثابة اختبار حقيقي لأدائهم، كما يحرك بقية الأطراف من نواب وبلديات ومؤسسات مجتمع مدني للعمل بأسلوب أكثر تفاعلا ومساءلة.
وفي الأثر الاقتصادي المباشر، أكد عضو غرفة صناعة عمان، المهندس موسى الساكت، أن الجولات الميدانية للحكومة تحمل أثرا اقتصاديا مباشرا، يتقاطع مع أولويات رؤية التحديث الاقتصادي، فالوجود على الأرض يسرع من وتيرة الإنجاز، ويعالج الاختناقات البيروقراطية التي طالما كانت عائقا أمام استكمال العمل، سواء التنموي أو الخدمي أو الاستثماري، بالإضافة إلى الأثر غير المباشر الذي يتجلى في إعادة توجيه الجهاز التنفيذي نحو ثقافة قائمة على المساءلة والنتائج بما يخفض الكلف الإدارية.
وفي قطاع التعليم، زار الدكتور حسان 19 موقعا يستفيد منها 9 آلاف طالب وطالبة، وتم بشأنها اتخاذ 56 إجراء كاملا.
وفي ضوء هذا العمل الميداني المكثف، أجريت في أغلب المحافظات أعمال صيانة وتطوير وتوسعة للكثير من المدارس التي تمت زيارتها، وتزويدها بالأثاث، والأجهزة، ووسائل التعليم، والدورات الصحية، وإنشاء الملاعب والساحات الخارجية، وكل ما يخص البيئة المدرسية الآمنة والمحفزة للطالب والمعلم، بالإضافة إلى تطوير وصيانة مراكز التدريب وتزويدها بالأجهزة، وتطوير بنيتها التحتية، فالتنفيذ مستمر في ظل عمل ميداني لا يتوقف يتبعه إجراءات عملية مستمرة.
وفي هذا السياق، أكدت المتخصصة في التنمية والتعليم، منى أبو حمور، أن الحكومة كثفت تحركاتها في الميدان المدرسي للوقوف على واقع البنية التحتية وظروف الطلبة والمعلمين، لإرسال رسالة بأن ملف التعليم على رأس الأولويات.
وأشارت إلى أبرز الخطوات التي تبنتها الحكومة أخيرا كتطبيق نظام BTEC للتعليم المهني والتقني يوفر مسارات عملية للطلبة، ويمنحهم شهادات معترفا بها دوليا، ما يفتح آفاقا أوسع في سوق العمل.
وبينت أن النمو السكاني يضغط على المدارس الحكومية، والحاجة المستمرة إلى مدارس جديدة، عد عن تحديات الإنفاق على التعليم، ودمج الطلبة ذوي الإعاقة، وتوفير بيئة مدرسية مجهزة بالتكنولوجيا والكادر، ما يؤكد أن قضية التعليم ليست مسؤولية الحكومة وحدها، بل هي ملف وطني يتطلب تضافر المجتمع والقطاع الخاص والمؤسسات المدنية.