ضمن جلسات ملتقى النخبة - Elite ،الثلاثاء، عُقدت ندوة حوارية بعنوان:"حفلات على مدار السنة.. وتكاليف بلا حدود، العادات الاجتماعية إلى أين؟"، ناقش المشاركون خلالها التغيّرات المتسارعة في العادات الاجتماعية، والتحول الملحوظ من البساطة والتكافل إلى المبالغة في المناسبات والاحتفالات، بما أصبح يشكل عبئًا ماليًا ونفسيًا على الكثير من الأسر.
وتناول الحوار بجرأة وشفافية كيفية الموازنة بين الحفاظ على جوهر العادات والتقاليد الأصيلة، وبين الحد من المظاهر المبالغ فيها التي باتت ترهق الناس في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.
كما دعا المتحدثون إلى ضرورة إعادة النظر في بعض السلوكيات المجتمعية الحديثة، والعودة إلى البساطة والنية الطيبة التي كانت تسود العلاقات في الماضي.
وتاليا نص الحوارية وأبرز مداخلات المشاركين فيها:
إخواني وأخواتي، نحن اليوم أمام قضية تلامس بيوتنا جميعاً، فالعادات الاجتماعية التي كبرنا عليها كانت دوماً سبباً في الألفة والتراحم، وكانت عنواناً للمحبة والتواصل.
زمان، كان الواحد يزور قريبه أو جاره ويكتفي بفنجان قهوة أو كأس شاي، وكانت الهدايا بسيطة لكنها مليئة بالمعنى، ولم يكن هناك حسابات أو تكاليف تثقل أحداً.
لكن اليوم، اختلفت الأمور، صارت المناسبات تتكاثر والطقوس تتعدد، فالأعراس مثلاً لم تعد تقتصر على ليلة واحدة، بل أصبحت سلسلة طويلة تبدأ بجاهة كبيرة، مروراً بالخطوبة والحنة، ثم الزفاف الضخم، والتوجيهي الذي كان حفلاً واحداً، صار الآن يُحتفى به لسنتين، وحفلات أعياد الميلاد التي انتشرت وصارت تقليداً دائماً. ومع ذلك كله ارتفعت تكاليف الضيافة والهدايا، حتى صار بعض الناس يخفون مرض مريضهم عن الآخرين لئلا يرهقهم استقبال الزائرين، وصار آخرون يتجنبون العيادة والزيارة، او حتى الاتصال، خشية الحرج والعجز عن مجاراة التكاليف.
لهذا نحن هنا اليوم، لنفتح حواراً مجتمعياً صريحاً وجريئاً، نسأل فيه أنفسنا، كيف يمكن أن نحافظ على معنى العادات الاجتماعية الجميل، دون أن تتحول إلى عبء يرهق الناس؟، كيف نعيد البساطة التي عرفها أهلنا وأجدادنا، ونخفف على بعضنا في زمن ضاقت فيه الحال واشتدت فيه الظروف الاقتصادية؟!
- كيف نوازن بين الحفاظ على العادات الاجتماعية كقيمة إنسانية، وبين الحد من التكاليف الباهظة التي باتت تثقل كاهل جميع الأطراف؟
- هل يمكن إحياء البساطة القديمة في الضيافة والهدايا، أم أن المجتمع تجاوز تلك المرحلة وصار من الصعب العودة إليها؟
- ما دور الإعلام ورجال الدين والوجهاء في تصحيح هذه الظاهرة، والدعوة إلى تقليل المظاهر المبالغ فيها، وبكونوا قدوة في ذلك؟
- هل يمكن للمجتمع أن يتفق على أعراف جديدة في المناسبات، بحيث تصبح أكثر بساطة وأقل تكلفة؟
- ما أثر هذه العادات المرهقة على العلاقات الاجتماعية، وهل تؤدي فعلاً إلى مزيد من القطيعة بدلاً من زيادة الصلة؟
- كيف يمكن تحويل الحوار إلى مبادرات عملية على الأرض، تترجم في شكل التزام جماعي أو ميثاق مجتمعي يخفف عن الناس؟
- ما انعكاس هذه التكاليف المتزايدة على الاقتصاد الوطني، وهل هي استنزاف غير مجدٍ للموارد أم يمكن أن توظف بشكل أفضل لخدمة المجتمع؟
*الاستاذة منى الفاعوري.. كانت مداخلتها كما يلي:
منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية ونحن نعيش مشهد من التحولات الاجتماعية والثقافية تزايدت فيه التحديات الاقتصادية وأصبحت الاحتفالات هما ماليا على الأفراد والمجتمع مما وجب إعادة النظر في كيفية الاحتفال بالمناسبات المختلفة فنحن لا نمنع الفرح في المناسبات بل علينا أن نرسم مسارا أكثر انسجاما مع واقعنا الاقتصادي والشعور بالسعادة الحقيقية ليست بالتكاليف الباهضة بل بمشاركة مع من نحب بجمال بساطتها وتعطي للفرح قيمته .
ولنذكر في عام1981 عندما صدرت وثيقة السلط الشعبية التي تهدف إلى يقظة شعبية عبرت عن معاناة المواطن الاجتماعيه عندما ابتعدنا عن تراثنا الأصيل وعاداتنا الحميدة الموروثة عن الآباء والأجداد والاستهلاك الذي ساد مجتمعنا وساد الاسراف المفرط والمبالغة المتهورة في الإنفاق والتي لم تكن خسائر للجيوب بل الزيف والرياء والنفاق الاجتماعي بتقليد اصحاب المال والذوات، واليوم ارتأت مجموعة من المواطنين المفكرين في مدينة السلط بمبادرة الحوار نحو حياة فضلى "على قد لحافك" وتهدف بالعودة بعاداتنا وتقاليدنا إلى صورتها النقية وإعادة الصدق في العلاقات التي تشد أواصر الأردنيين وغسلها من الرياء والنفاق في الممارسات الاجتماعية، ففي بيوت العزاء تحديد مدة العزاء بيومين الى ثلاثة بعد العصر وتقديم الطعام لاهل المتوفى فقط .
ومن جانب آخر حفلات الجاهة والخطوبة تختصر على الاهل وفي بيت العروس أو في مكان ضمن الأصول بعيدا عن الصالات والفنادق وحفلات التخرج والنجاح تختصر على الأهل والأصدقاء وليس في الصالات والمزارع والاسراف المفرط في النفقات وجميع هذه السلوكيات غير المريحة والتي أثقلت كاهل المواطن ولا يمكن علاجه الا بإعادة النظر في عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة واليقظة الشعبية بسلوكياتنا نحو حياة فضلى وبما يتناسب مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وان لا نكون رهن القروض والديون التي تؤدي إلى السجون.
*العميد المتقاعد هاشم المجالي.. أوضح وجهة نظره كما يلي:
الحفلات والعادات والتكاليف في هذا الزمن بالفعل تشكّل انعكاسًا لحالة التحولات الكبرى التي تمر بها المجتمعات، سواء من ناحية الغزو الثقافي والإعلامي أو من ناحية التغير في منظومة القيم.
لو عدنا للعصور التي ذكرتَها (الأموي، العباسي، المملوكي، الفاطمي، العثماني) سنجد أنّها رغم ما كان فيها من صراعات وأخطاء، إلا أنّها بقيت ضمن إطار المرجعية الإسلامية، حيث كانت الهوية والمرجعية الفكرية واضحة. أما اليوم، بعد نهاية الحقبة العثمانية، أصبحنا أمام عصر جديد تحكمه قوى خارجية، أبرزها المشروع الصهيوني الذي يعمل عبر أدواته على:
تشويه الهوية الثقافية عبر نشر أنماط حياة غريبة عن مجتمعاتنا.
تفكيك الأسرة من خلال المظاهر الاستهلاكية المبالغ فيها في الحفلات والزواجات وإغراق الشباب في التقليد الأعمى، والابتعاد عن الأصالة.
استبدال القدوة من العلماء والمصلحين بالمشاهير والفنانين.
ولذلك نجد أن العادات اليوم أصبحت باهظة التكاليف بلا معنى، مثل حفلات الزفاف أو المناسبات الاجتماعية التي تحولت إلى مظاهر استعراضية، بينما في الأصل كانت مناسبات دينية واجتماعية تعزز صلة الرحم والتكافل. ولهذا فأن الحلول لهذه المشكلة يجب البحث عنها وترسيخها لأننا
لسنا مجرد "شاهدين" على هذا التحول، بل يمكن أن نكون "فاعلين" في مواجهته عبر:
-إحياء القيم الصحيحة في حياتنا اليومية.
-التمسك بالهوية ومقاومة التقليد الأعمى.
-التربية الواعية للأبناء على المعايير الإسلامية الأصيلة.
-تبسيط العادات في الأفراح والمناسبات لتعود إلى جوهرها الحقيقي.
*اللواء المتقاعد كمال الملكاوي.. كانت مداخلته تحت عنوان "إحياء البساطة" الموروثة في عاداتنا الاجتماعية، وإعادة تعريف مفاهيم "الضيافة والكرم والاحتفال":
حثّ الدين الاسلامي الحنيف على الترشيد وعدم الإسراف، كما حرص المجتمع الأردني في الحفاظ على القيم الاجتماعية الأصيلة والعادات، انطلاقاً من حق الجميع أن يفرح ويحتفل بالمناسبات ومن واجب أهله ومحبيه مشاركته الفرح وتهنئته.
أصبحت "البساطة الاجتماعية الطوعية" اتجاهاً عالمياً، فهناك حركة عالمية تُعرف بالـ "مينيماليزم" كمدرسة تنموية تدعو للتوفير وتبسيط حياة الإنسان، كي يعيش ويمارس حياته بالضرورات لا الكماليات، فيخفف عن كاهله أعباءاً اجتماعية ويشارك النشاطات الاجتماعية بانسيابية، ما ينعكس إيجاباً بالحرص على مشاركة أفراح الآخرين.
حال توفر القناعة والإرادة في سبيل تحقيق تكافل اجتماعي اقتصادي بين فئات المجتمع، يمكن "إحياء البساطة" الموروثة في عاداتنا، ومنها مفاهيم الضيافة والكرم والاحتفال، وبالتالي فإن التغيير وارد وممكن، بحيث يختار الأردنيون بوعي وأهمية إعادة تعريف هذه المفاهيم، بعيداً عن التباهي بالمادية والبذخ، وهذا يتطلب تغييراً في الممارسات، فالمجتمع لم يتجاوز بعد المرحلة لدرجة اللاعودة، ويمكن تحقيق هذه العودة من خلال القدوة الاجتماعية كرجال الدين والقدوات الاجتماعية والأشخاص المؤثرون في المجتمع؛ باتباع نمط أكثر بساطة، من خلال حملات إعلامية، خطب رجال الدين، ووضع ميثاق اجتماعي من قبل العشيرة، وهكذا حتى يصبح عرفاً سائداً.
يمكن تبنِّي نماذج احتفالية بديلة تركز على القيم بدلاً من المظاهر، بتحويل الهدايا من قيمتها المادية إلى رمزيتها، وتعد الضيافة البسيطة بالعودة إلى مفهوم "الجود من الموجود" بدلاً من البذخ في الطعام والشراب، وتغيير "ثقافة التوقعات في المشاركة" بتخفيف الضغوط الاجتماعية المتعلقة بمستوى الاحتفالات والهدايا.
من هذه النماذج إقامة حفلات الزفاف البسيطة في المنازل أو بالتوجّه نحو الطبيعة كالحدائق باستخدام ديكور بسيط، والاعتماد على المواد المتاحة محليًا والديكور القابل لإعادة التدوير والاستخدام، مما يقلل التكاليف مع الحفاظ على الجمالية بإضافة لمسة شخصية في تبادل الهدايا الرمزية من الصناعات اليدوية المنزلية وذات المعنى مثل الكتب المُلهمة أو الأدوات الكتابية وبطاقات التهنئة كبديل عن الهدايا التجارية من "الماركات باهظة الثمن"، كما أن يمكن تعزيز اتجاهات مجتمعية داعمة للبساطة كالتوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وحملات التثقيف لفكرة "الزواج البسيط" و"حفل تخرّج بلا ديون"، مما يشجع الشباب على تبني نمط حياة أقل تكلفة، مثل مبادرات محلية بتنظيم ورش عمل لتعليم صناعة الهدايا المنزلية، وتبادل الأقلام المحفور عليها اسماء الزملاء بين الخريجين من الطلاب أو الكتب الثرية بالفكر والمعرفة.
*فيما كان رأي السيد محمود الملكاوي في هذه النقاط:
- يواجه مجتمعنا الأردني مشكلة التكاليف المرهقة المرتبطة بالعادات الإجتماعية ، الأمر الذي يُثقل كاهل أفراد هذا المجتمع واغراقهم بالديون والضغوطات المتزايدة ، خاصةً الطبقات الوسطى والفقيرة التي تسعى لتقليد الطبقة العليا التي تمتلك المال والنفوذ!.