في البدء.. فإن « الوحام» من وجهة نظر الأطباء، «يأخذ شكل الرغبة الشديدة لدى المرأة الحامل بالنوم، ويفسر ذلك بسبب هبوط الضغط لديها»، حيث يعتقد البعض أن تفسير الوحمة الشعبي بظهور ما تشتهيه الحامل، على جسد الطفل، قد يكون ناتجا عن مبررات ابتدعتها النساء ليحصلن على مزيد من الدلال ليبقى «الوحام» حائرا بين الحقيقة رغبات النساء.. لذا فإن من الحوامل هن أكثر الزبائن اللواتي يقصدن «سوق الوحمة»..
عموما.. في وسط البلد، وتحديدا في الأزقة المقابلة لمطعم هاشم الشهير، يوجد أشهر محال الوحمة، ويمتلكه الحاج ياسين الزامل «ابوعبدالله»، وفي هذا المحل كمية ألوان وأصناف وروائح الخضار والفواكه فيه، فما إن تدخل إلى «سوق الوحمة» الذي يستقبل زواره بلافتة كبيرة، حتى تشمّ رائحة الشمام والأناناس والحمضيات، ومن الوارد جداً أن يرتطم وجهك بثمرة رمان كبيرة، معلقة مثل لمبات الإنارة، ولا يخلو المشهد من أصوات الخلاطات التي تخلط أنواعاً مختلفة من العصائر والكوكتيلات الطبيعية، كثير منها تكون مزيجاً لفواكه موسمية.. الزامل أكد لـ»الدستور» ان أمور السوق «داحلة» رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة للناس، وأن أكثر ما يطلب منه دائما، اللوز الأخضر والبطيخ والكرز الأخضر «الحامض» والمشمش والرمان والشمام والجوافة والتين والتوت الأحمر وأسكدنيا وكستنا وحصرم، عكوب وفول أخضر، مبينا أنه يطلب أحيانا الصبر والشمندر والمنجا حيث أقوم ببيعها بالحبة لا بالكيلو، لأن من يريد هذه الفواكه والخضراوات هو في الغالب من النساء اللاتي «يتوحمن»، كما أن هناك بعض كبار السن ممن هم على فراش الموت، يطلبونها في غير مواسمها.
قصص طريفة
وفي سياق حديثه لـ»الدستور».. أضاف الزامل الذي ورث هذه المهنة من أبيه: إنني أقوم باستمرار بعض هذه الفواكه المخللة، مثل المشمش والدراق، التي تكون مكبوسة بأوعية خاصة، وطعمها يختلف عن الفواكه الطازجة أو المفرزة، مشيرا الى أنه سعيد في مهنته والتي تتضمن الشق الإنساني، بعيدا عن الجوانب التجارية، وذلك بإنقاذ اشتهاءات الناس، وأنه أحيانا يشعر بالرغبة في البكاء، من حرص بعض الأبناء على توفير طلبات آبائهم وأمهاتهم العجزة، التي قاربت آجالهم، أو الأزواج بتلبية رغبات زوجاتهم الحوامل، مشيرا إلى أنه ليست المسألة متعلقة بالنساء المتوحمات فقط، بل بالأشخاص الذين يقترب موتهم، أو انهم يشعرون بدنو أجلهم، فيشتهون فواكه معينة.
ومن القصص الطريفة التي سردها الزامل لـ»الدستور»: مرة قبل 25 عاماً، جاءت سيدة توحمت على بطيخ في شهر كانون الثاني، لكن الزوج الله يهديه، لم يقبل شراء البطيخ معترضاً على سعره، ورغم بكاء زوجته التي كانت معه، رفض أيضاً العرض الذي قدمته له بأن يأخذ حبة بطيخ واحدة مجاناً، بعد ستة شهور من ذلك الموقف زارتني تلك الزوجة مصطحبة ابنتها التي أنجبتها، ودلتني على وحمتها على خدها التي تشبه «حز البطيخ».. وفي مرة أخرى كما أضاف الزامل: «جاءني شخص على شفته وحمة تشبه الشمندر، قلت له الله يسامحه والدك، كيلو الشمندر بنصف دينار فقط»..!
الوحام هل هو وهم؟
وعن التفسير الطبي للوحام، الطبيب هشام نعيم الشرفا، الذي أجاب عن استفسار «الدستور» قائلا: «لا توجد ثمة حالة علمية طبية تسمى الوحم أو الوحام، لكن بالتأكيد هناك حالات تشعر بها الحامل أنها تشتهي تناول أشياء، منها ما تكون مستحيلة أصلاً».. وأوضح: «تشتهي كثير من الحوامل تناول الحجارة والأتربة وغير ذلك، وهذا شيء طبيعي، لكن فيما يتعلق بالوحام فلا نتعامل معه كأطباء بجدية، وعن العلامات التي تكون في جسم الجنين بعد الولادة لا تسمى وحمة بل علامات ولادة»..