لم يكن يوم الاثنين الماضي يوما عاديا في الحي الشرقي من مدينة إربد فقد بدأ النهار هادئا كعادة ذلك الحي السكني بالقرب من اشارة دراوشة قبل أن يتحول إلى مسرحٍ مفتوح لأحداث درامية متسارعة انتهت بانهيار بناية سكنية من ست شقق ومحلين تجاريين بلا أي تدخل بشري حيث انهارت وتهاوت وسقطت لوحدها دون تدخل اي اليات ودو ان يتم هدمها .
القصة بدات وفق السكان المجاورين للحي قرابة الساعة الثانية والنصف ما بعد الظهر حيث سقطت قصارة من داحل محل الخضار والفواكه الموجود اسفل البناية وشاهد صاحب المحل تسطح خارج البناء من جهة محله الشرقية ليحصل بعدها تصدع بالعمدان الداخلية ليتم على الفور ابلاغ الدفاع المدني .
الدفاع المدني حضر للموقع وعاين وكشف ما حصل داخل المحل التجاري الموجود اسفل البناية ليتم على الفور اغلاق جميع الشوارع المؤدية للبناية واحاطة البناية بشرائط تحذيرية بمساندة ودعم شرطة اربد وقسم سير اربد .
بعد معاينة الموقع من الدفاع المدني وابلاغ لجنة السلامة العامة في الحاكمية الادارية وقرابة الساعة الرابعة والنصف تم الطلب من كافة سكان البناية اخلاءها بشكل فوري ولحظي وسريع حيث تم اخراج جميع السكان من داخل شققهم السكنية خشية انهيارها لا سيما ان المؤشرات كانت تدلل على وجود مخاطر بالغة وعالية .
حضر الى الموقع محافظ اربد رضوان العتوم ونقيب المهندسين لفرع اربد المهندس محمود الربابعة ونائب محافظ اربد رائد الجعافرة ورئيس لجنة بلدية اربد عماد العزام ومدير شرطة اربد العميد الدكتور محمد الزوايدة وجرى التوافق بعد الاخلاء ان القرار الامثل والانسب في ظل المشاهدات والمعاينة من قبل لجنة السلامة العامة وبحضور نقيب المهندسين المهندس الربابعة ان ازالة البناية هو الحل الامثل فكل المؤشرات الحسية تدلل انها ايلة للسقوط لا سيما ان اعمدة خارجية لها تعرض للتقويس والانحناء علاوة على سماع اصوات طقطقة من صاحب محل الخضار وتم منع دخول اي شخص للبناية كاجراء احترازي .
عائلة متضررة في البناية طلبت الدخول الى شقتها من اجل احضار اوراق ابنتهم طالبة التوجيهي ورقم جلوسها وهويتها حتى تتمكن من تادية اختبار التوجيهي في اليوم التالي والدخول لقاعة الامتحان الا ان الحاكمية الادارية منعت الدخول باي شكل من الاشكال وجرى التنسيق مع التربية بخصوص الطالبة لتسهيل دخولها للامتحان فكانت الرؤية اشمل وابعد بان الحفاظ على حياة وارواح السكان هو الأهم بالنسبة للحاكم الاداري استنادا لتقييمات وكشف نقابة المهندسين وبحضور خبير ورئيس اختصاص تقييم وسلامة المنشآت القائمة وإعادة تأهيلها أستاذ هندسة الإنشاءات والزلازل – الجامعة الأردنية الدكتور انيس شطناوي.
في حوالي الساعة السادسة مساء ابلغ عدد من اصحاب البناية محافظ اربد رضوان العتوم انهم على استعداد للتوقيع على مسؤوليتهم الشخصية على اوراق امام المحافظ للسماح لهم التوجه والدخول الى داخل البناية وتصوير مواقع فيديو لتبيان وتصوير حجم الاضرار من الداخل ان وجدت والعودة به للجهات المسؤولة في الموقع لرؤيتها واتخاذ قرار أدق الا ان محافظ اربد رفض الفكرة جملة وتفصيلا فجميع المؤشرات والكشوفات التي تم ابلاغه بها ان مخاطر عالية محتملة قد تحصل باي لحظة .
ولحسم القضية بشكل نهائي وجذري ولتعزيز الاستشارة بشكل اوسع واشمل واكبر على مبدأ " ما خاب من استشار" قررت الحاكمية الادارية قرابة الساعة السابعة مساء ابلاغ لجنة مجلس البناء الوطني التابعة لوزارة الاشغال العامة ونقابة المقاولين حيث تم الانتظار الى الساعة حوالي الساعة العاشرة حتى حضرت رئيسة اللجنة المهندسة منى بلاونة وبحضور نقيب المقاولين المهندس فؤاد دويري وجرى الكشف الحسي والخارجي على البناية من كافة الجوانب وبعد ذلك انتقلت اللجنة للاجتماع مع محافظ اربد حيث تم ابلاغه بالتصور والرؤية النهاية ليعلن محافظ اربد في الساعة الحادية عشر ليلا قرار نهائي بازالة البناية السكنية كاملة استنادا لكشف لجنة البناء الوطني فكان القرار بان الهدم هو الحل… والمبنى أشبه بقنبلة موقوتة.
نقيب المقاولين فؤاد دويري عقب انتهاء الكشف على البناية اكد في الموقع ان البناية في اي لحظة ستسقط تلقائيا لوحدها وفق المؤشرات والمعاينات الحسية والخارجية والتشققات الظاهرة وان البناية لن تصمد حتى الصباح وستقع لوحدها دون تدخل اي اليات لهدمها لكنه قدم تصور بمشاورة مجموعة من المقاولين حول الخطة اللازمة للهدم ومن اي جهات ستباشر الاليات مع اعلان ساعة الصفر لبدء الهدم .
قرابة الساعة الثانية فجر الاثنين الثلاثاء زادت تشققات البناية من الجهة الغربية للبلكونات الخارجية اضافة لزيادة في انحناء اثنين من الاعمدة الخارجية التي تستند عليها البلكونات الخارجية اضافة لسماع اصوات طقطقة مفاجئة وحدوث انهيارات بسيطة ومحدودة لحجارة من اعلى البناية من الجهة الغربية .
في الساعة الرابعة فجرا كانت نقابة المقاولين على اهبة الاستعداد لتدارس كل الفرضيات والاحتمالات ووضع خطة متكاملة ومحكمة لازالة البناء بشكل امن وسليم حيث اعلن الدويري من الموقع انه سيتم التشاور مع المقاولين لتحديد الجهة والمكان الانسب الذي ستبدا منه الاليات لاتمام عملية الهدم وذلك من اجل تحديد الزاوية الانسب للهدم .
وقال الدويري وقتها للدستور إن الفريق الفني وخلال تواجده في الموقع رصد صدور أصوات كسر إسمنتي من داخل المبنى وهو مؤشر واضح على عدم أمان المبنى وخطورته البالغة ما دفع الجهات المعنية إلى إخلاء كامل البناية إضافة إلى البنايات المجاورة لها حفاظا على الأرواح وسلامة المواطنين.
نقابة المقاولين كانت تضع خطة هندسية لهدم المبنى بشكل آمن لتقديمها إلى مكتب هندسي مختص ومن ثم عرضها على مجلس البناء الوطني للمصادقة عليها قبل تنفيذ عملية الإزالة نظرا لارتفاع المبنى والمخاطر المحيطة به.
وأشار الدويري إلى أن المعاينة أظهرت وجود كسر واضح في شمعات البناية ما يرجح إمكانية سقوطها بشكل مفاجئ في أي لحظة منوها الى ان الوضع بالغ الخطورة ونتعامل مع المبنى على أنه قنبلة موقوتة قد تنهار فجأة ونعمل على إعداد خطة تفصيلية للهدم تضمن السلامة العامة.
في تلك الأثناء وقرابة الساعة الخامسة الى خمس دقائق فجرا شعر الجميع بحدوث ميلان اضافي للبناية لتسقط كاملة وخلال ثواني بلا اي تدخل بشري وبلا اي تدخل الي الية واصبحت نسيا منسيا وكانها لم تكن موجودة فانهارت على كل الموجودات الداخلية من اثاث ومحتويات الشقق فكانت لحظة صادمة ومذهلة ومحزنة في نفس الوقت نظرا للمنظر المرعب والصادم .
وحتى لا ننسى فقد بذلت الاجهزة الامنية ورجال السير والمرور جهود كبيرة في تامين الموقع وابعاد المتفرجين عن المخاطر حيث لا تزالت القوى الامنية بالموقع لليوم لتامينه بالحماية لحين انتهاء اعمال ازالة الانقاض .
محافظ اربد رضوان العتوم ونقيب المقاولين الدويري ونقيب المهندسين لفرع اربد المهندس الربابعة وكل الجهات المسؤولة اكدت منذ بداية الحادثة ان اي خسائر تحتمل لكن اي خسارة بالارواح او الاصابات هي خارج الحسابات بالنسبة لكل الجهات المسؤولة التي تواجدت بالموقع بقيادة محافظ اربد رضوان العتوم الذي تعامل بحكمة وكفاءة عالية وكانت كل القرارات التي اتخذت من بداية ازمة البناية حتى سقوطها قد ساهمت بشكل مباشر من تجنيب كارثة انسانية .
المحصلة ان كل شيء يمكن تعويضه لكن الأرواح لا تعوَض فاتخاذ قرار الإخلاء فورا كان مفصليا وجنّب المدينة كارثة حقيقية.
وفيما وصف نقيب المهندسين البناية بأنها "غير قابلة للترميم"، أشار نقيب المقاولين فؤاد دويري إلى أن ما حدث هو انهيار طبيعي بسبب ضعف العناصر الإنشائية للبناية المشيدة قبل الثمانينات وأنها لم تكن لتصمد حتى الصباح.
وفي رسالة تحذيرية دعا الربابعة مالكي الأبنية القديمة في الأردن إلى عدم إضافة أدوار جديدة فوق مبان قائمة دون إجراء دراسة هندسية إنشائية دقيقة لتحديد قدرة التحمل.
وشدد المهندس الربابعة على أن أي مبنى يتجاوز عمره 20 عاماً يجب أن يخضع لتقييم هندسي حقيقي لتحديد ما إذا كان بحاجة إلى تدعيم وتأهيل أو أنه غير صالح لتحمل طوابق إضافية وفي هذه الحالة يجب التفكير بالهدم وإعادة البناء على أسس هندسية سليمة.
ألحقيقة المهمة في الحادثة ان قرارا شجاعا بقيادة محافظ اربد رضوان العتوم وبدعم واسناد راي الخبراء والمختصين بالموقع جاء في الوقت المناسب وحول كارثة محتملة إلى قصة نجاة وهذا ما حصل في حادثة بناية اربد حيث كانت الحكمة وعدم التسرع والصبر والشجاعة بالتعامل مع الموقف اولا باول العامل الاهم بسبب النجاح في انهاء الازمة بلا اي خسائر ولا اصابات ولا وفيات فكل الجهود التي بذلت هي محل تقدير واحترام واشادة .