يأتي نشر سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، صورة جدارية لمهمة الجيش العربي الأردني في هذا التوقيت بالغ الحساسية، مع تصاعد الحرب بين إيران وإسرائيل وتبادل الضربات الصاروخية المكثفة منذ 14 حزيران الجاري، كرسالة متعددة الأبعاد، تحمل دلالات استراتيجية عميقة مرتبطة بالسياق الإقليمي الراهن. السياق الإقليمي المتفجر الذي يبرز النشر: - تصعيد عسكري غير مسبوق: تشن إسرائيل هجمات جوية على أهداف إيرانية عميقة (بما فيها المنشآت النووية مثل نطنز وأصفهان وفوردو)، بينما ترد إيران بإطلاق موجات صاروخية مكثفة على تل أبيب وحيفا، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى وتدمير بنى تحتية. - انتهاكات للأجواء الإقليمية: تتعرض الأجواء الأردنية بشكل متكرر لاختراق طائرات مسيرة وصواريخ متجهة من إيران إلى إسرائيل أو العكس، ما دفع القوات المسلحة الأردنية لاعتراضها لحماية السيادة الوطنية. - مخاطر امتداد الصراع: تحذيرات دولية من انزلاق المنطقة لحرب شاملة، مع نشر بريطانيا طائرات مقاتلة إضافية في الشرق الأوسط، وتصريحات إسرائيلية بتهديدات «وجودية». قراءة الرسالة السياسية والأمنية للنشر: - تأكيد الحياد والنأي بالنفس: يُعيد النشر التذكير بثوابت السياسة الأردنية في رفض الانخراط بالصراعات الإقليمية، كما صرح مدير الإعلام العسكري الأردني: «اختار الأردن النأي بنفسه عن هذا التصعيد» . - تحذير مبطّن لأطراف الصراع: التركيز على «حماية الاستقلال وحرية القرار السياسي» يُعتبر رداً ضمنياً على محاولات جر الأردن للحرب، خاصة مع تكرار انتهاك مجاله الجوي. وقد حذر مدير الإعلام العسكري، العميد الركن مصطفى الحياري، صراحةً من أن هذه الانتهاكات «محاولة لجر الأردن إلى الصراع» . - تطمين داخلي وإظهار الجاهزية: في ظل المخاوف الشعبية من تداعيات الحرب، يؤكد النشر قدرة الجيش على تأمين الحدود والأجواء والفضاء السيبراني، مع الإشارة لرفع الجاهزية القصوى، كما ذكرت القوات المسلحة. الأبعاد الاستراتيجية الأوسع: - الحفاظ على الاستقرار الداخلي: يشير النص إلى «المحافظة على شرعية النظام السياسي من تهديد داخلي أو خارجي»، وهو تأكيد على رفض الأردن أي محاولات لزعزعة أمنه الداخلي في بيئة إقليمية مضطربة، خاصة مع تصاعد خطاب التعبئة الإقليمي. - التوافق مع الموقف العربي والدولي: يتوافق النشر مع جهود دول عربية ودولية لاحتواء الأزمة عبر الدبلوماسية، ورفض التصعيد العسكري الذي يهدد أمن المنطقة ككل. - تعزيز الشرعية الوطنية: يُذكر النص بأن الجيش «حامٍ لشرعية النظام السياسي»، ما يعزز شرعية الدولة في مواجهة سرديات الفوضى الإقليمية، ويربط بين الأمن الوطني والاستقرار السياسي في خطاب موجه للداخل والخارج. توقيت النشر ودلالاته الرمزية: - جاء النشر بالتزامن مع ذروة التصعيد الإيراني-الإسرائيلي (15-16 حزيران)، حيث أعلنت إيران «عملية الوعد الصادق 3» برد صاروخي، وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضرب طهران. - يُرسل التوقيت إشارة بأن الأردن يحافظ على ثوابته رغم الضغوط، ويعزز صورته كـ»دولة حاجز» (Buffer State) ترفض أن تكون ساحة للصراعات. النشر ليس مجرد تذكير بمهام الجيش الروتينية، بل خطاب سيادي متعدد الطبقات: - سياسياً: ترسيخ الحياد ورفض الانجرار لصراع يهدد مصالح الأردن. - أمنياً: تحذير من تجاوز الخطوط الحمراء (كالانتهاكات الجوية)، مع إظهار الجاهزية. - مجتمعياً: طمأنة الشعب بأن الجيش «درع الوطن» في وجه عاصفة إقليمية قد تطول. هذا الموقف يعكس حكمة السياسة الأردنية التقليدية في التعامل مع الأزمات: التوازن بين الحفاظ على الأمن الداخلي، وعدم استعداء الأطراف الإقليمية، والانحياز الواضح لخيار السلام عبر آليات دبلوماسية راسخة.