منظومة الطاقة قادرة على امتصاص الصدمــة ومواجهــة كافـة الاحتمالات

ي ظل تطورات إقليمية متسارعة، جاء إعلان إسرائيل عن وقف ضخ الغاز من حقولها البحرية، وعلى رأسها «ليفياثان»، ليشكّل صدمة فورية في أسواق الطاقة في المنطقة، ويضع الأردن أمام اختبار جدي لقدراته على التعامل مع الأزمات الطارئة، لا سيما في قطاع حساس كمجال الطاقة.
في 13 حزيران 2025، أعلنت تل أبيب وقف تصدير الغاز إلى كل من مصر والأردن على خلفية تصعيد أمني مع إيران، أدى إلى إغلاق مؤقت للمنشآت في عرض البحر. وبهذا القرار، فقد الأردن أحد أهم مصادر الطاقة لديه، إذ كان يعتمد على الغاز الإسرائيلي لتوليد نسبة كبيرة من احتياجاته الكهربائية اليومية، تصل إلى ما يعادل 300 مليون قدم مكعب يوميًا.
  ضغط فوري وخطط طارئة
رالجهات الرسمية في الأردن سارعت لطمأنة الرأي العام، مؤكدة وجود «مخزون استراتيجي يكفي لعدة أسابيع»، بالإضافة إلى خطط طارئة لتشغيل محطات التوليد باستخدام الغاز المسال المستورد عبر ميناء العقبة، أو اللجوء إلى تشغيل مولدات تعتمد على زيت الوقود والديزل في الحالات القصوى، إلا أن هذه البدائل لا تخلو من أعباء مالية، إذ ترتفع كلفة الإنتاج بشكل كبير مقارنة بالغاز الطبيعي المستورد.
ومن المؤكد أن منظومة الطاقة الأردنية قادرة على التعامل مع كافة الظروف الطارئة وامتصاص الصدمة ومواجهة كافة الاحتمالات، لكن استمرار الانقطاع لفترة طويلة سيضع تحديات إضافية على الموازنة العامة وأسعار الطاقة.
  كلفة اقتصادية وتبعات محتملة
 ورغم أن المملكة تمكنت حتى اللحظة من تفادي انقطاعات أو تقنين، إلا أن الأثر الاقتصادي بدأ يُلمس تدريجيًا، مع توقعات بارتفاع في أسعار الكهرباء للمستهلكين، خصوصًا مع ارتفاع تكلفة التوليد بالوقود البديل. هذا قد ينعكس بدوره على أسعار السلع والخدمات، ويزيد من الضغط على القطاعات الإنتاجية المختلفة.
لكن هذا الخيار ليس قريب التطبيق لأن الحكومة لديها بدائل وخيارات تخفف من حدة الأزمة وإيجاد بدائل جديدة واقتصادية.
رب ضارة نافعة، والأزمات هي فرص لإيجاد حلول مناسبة وذات مردود اقتصادي. وأرى أن هذه الظروف الطارئة فرصة لإعادة النظر في البدائل والسير في مشاريع استثمارية محلية تسهم في الاعتماد على المنتج المحلي كمصدر أساسي للطاقة.
هناك خطة حكومية تأتي في إطار رؤية وطنية تسعى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول عام 2030، وأن الغاز الطبيعي يمثل أحد المحاور الأساسية إلى جانب الطاقة المتجددة والصخر الزيتي.
وسيتم حفر 80 بئرا في حقل الريشة لتطوير وزيادة الانتاج بعد ان تم جلب حفارات حديثة وترفيع اتفاقيات مع عدة شركة للمسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد.
ووقّعت الحكومة عدة اتفاقيات مع شركات محلية لتسييل الغاز وتزويد القطاع الصناعي وغيرها من القطاعات الاقتصادية لتخفيض تكلفة الطاقة الذي يساعد الصناعات الاردنية على المنافسة داخلياً وخارجياً وتسهم في زيادة الصادرات والتوسع في الاستثمارات الذي يسهم في معالجة جزء من مشكلة البطالة بالإضافة إلى تحقيق إيرادات مالية بالعملات الصعبة.
   نحو استقلال طاقي أوسع
 وتتجه الأنظار الآن نحو مشاريع استراتيجية لتعزيز استقلالية المملكة في هذا القطاع الحيوي، على رأسها مشاريع الطاقة المتجددة، التي باتت تساهم بما نسبته 30–38% من إجمالي إنتاج الكهرباء وستصل إلى 50% - 55% عام 2030، إضافة إلى وجود احتياطيات هائلة من الزيت الصخري يجب التوجه نحو استغلالها في مشاريع لتوليد الكهرباء، وتوسيع البنية التحتية وحفر المزيد من الآبار لزيادة الإنتاج في حقل الريشة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي كما هو مخطط في عام 2030.
وفي ظل هذه التطورات، تبدو الحكومة مصممة على تسريع وتيرة العمل على مشاريع الطاقة البديلة، ليس فقط كخيار اقتصادي، بل كضرورة أمنية وطنية.
إن توقف الغاز الإسرائيلي عن الأردن يشكل جرس إنذار حقيقيا، لكنه في الوقت ذاته قد يكون نقطة تحوّل فارقة تدفع المملكة إلى تعزيز أمنها الطاقي وبناء منظومة أكثر مرونة واستقلالًا. وإذا ما استثمرت الأزمة بالشكل الصحيح، فقد يتحول التحدي إلى فرصة لبناء مستقبل طاقي أكثر استدامة، بعيدًا عن تقلبات الجغرافيا السياسية.