*من له مصلحة في إشعال معركة بين الهند وباكستان في هذا التوقيت؟*

الدكتور محمد الهواوشة يكتب:



تاريخياً، لم تكن العلاقة بين الهند وباكستان سوى سلسلة من التوترات المزمنة، وحروب متقطعة، وصراع مفتوح حول كشمير. ولكن السؤال الأهم ليس ما إذا كان هناك احتمال لاندلاع معركة جديدة بين الجارتين النوويتين، بل: *من له مصلحة حقيقية في إشعالها الآن؟ ولماذا في هذا التوقيت بالذات؟*

1. الداخل المضطرب: أداة تحويل الأنظار

في كلا البلدين، يواجه كل من النظامين السياسيين تحديات داخلية متزايدة. في الهند، حكومة ناريندرا مودي تخوض مواجهة متصاعدة مع المعارضة وتتعرض لانتقادات تتعلق بالاقتصاد، وحقوق الأقليات، وحرية الصحافة. أما في باكستان، فإن البلاد تعيش أزمات اقتصادية خانقة وصراعاً سياسياً بين المؤسسة العسكرية والمدنيين. وفي مثل هذه الظروف، يصبح إشعال أزمة خارجية "أداة كلاسيكية" لتوحيد الجبهة الداخلية، وتشتيت الانتباه عن الفشل الداخلي.

2. شركات السلاح والمستفيدون من الحرب

صناعة الأسلحة الدولية هي المستفيد الأكبر من أي تصعيد عسكري. الهند تُعد من أكبر مستوردي السلاح في العالم، وباكستان تعتمد بدورها على حلفاء عسكريين تقليديين مثل الصين وتركيا. كل حرب أو توتر مسلح يمثل فرصة ذهبية لمصانع السلاح لتسويق منتجاتها، وتغذية سباق التسلح في المنطقة.

3. القوى الكبرى: اللعب بالنار لتحقيق التوازن

الولايات المتحدة والصين وروسيا تتابع بدقة ما يحدث في شبه القارة الهندية. كل قوة من هذه القوى لها مصالح متضاربة: واشنطن ترى في الهند حليفاً استراتيجياً في مواجهة الصين، لكنها لا ترغب بانزلاق الهند نحو حرب قد تضعفها. الصين من جانبها ترى في أي تصعيد فرصة لإرباك الهند، خاصة مع توتر العلاقات بين نيودلهي وبكين على حدود الهمالايا. أما روسيا، فتحاول الحفاظ على التوازن في علاقاتها بين الهند وباكستان، لكنها لا تمانع من الاستفادة الاقتصادية من بيع السلاح لكليهما.

4. كشمير: الجرح المفتوح

تبقى كشمير البوصلة الأخطر. أي قرار سياسي أو عسكري يمس هذا الإقليم، قد يشعل شرارة الحرب. ومع تصاعد الحركات المطالِبة بالانفصال داخل كشمير، وتزايد القمع الهندي في الإقليم، يمكن لأي حادثة – حتى لو كانت صغيرة – أن تُستغل كذريعة لتفجير الموقف.

5. توقيت عالمي مضطرب: فراغات استراتيجية

في ظل انشغال العالم بأزمات مثل الحرب في أوكرانيا، والتصعيد المستمر في غزة، والتوتر في بحر الصين الجنوبي، يبدو أن هناك فراغاً في الرقابة الدولية. هذا الفراغ يُغري بعض الأطراف بالمغامرة أو التلاعب بالنار، ظناً منهم أن المجتمع الدولي لن يملك رفاهية التدخل الفوري أو الضغط الفعّال.


*خلاصة: الحرب ليست مصادفة*

حين تتزامن الأزمات الداخلية، ومصالح الشركات، والصراعات الإقليمية، والفراغات الجيوسياسية، يصبح احتمال اندلاع الحرب بين الهند وباكستان ليس مجرد خطر عابر، بل نتيجة حتمية إذا لم تُبذل جهود حقيقية لضبط الإيقاع. ومن له مصلحة بالحرب اليوم، ليس بالضرورة من يرفع السلاح، بل من يربح في الظل.