وطن في القلب… لا يُطعن في الظهر

د. محمد الهواوشة يكتب:


في كل بيت، تُزرع القيم، وتُروى الحكايات. لكن أحيانا، تنمو بيننا نبتة غريبة… لا ظلّها يشبه ظلّنا، ولا ثمرها يشبه ثمر البلاد.

يولد البعض على هذه الأرض، يشربون من مائها، ويتنفسون من هوائها، ويقاسموننا مقاعد الدرس، والخبز، والفرح، والمستقبل…
لكن الغريب، أن قلوبهم لا تسكن هذا المكان، وكأن أرواحهم ما زالت عالقة في خريطة أخرى، في ذاكرة لا تعترف بالحاضر.

ليس الجحود أن تنسى المعروف، بل أن تحوّله إلى إساءة.

ثمة أوطان فتحت أبوابها بصمت.
منحت الوثائق، والأسماء، والفرص.
رفعت البعض إلى أعلى المناصب، فأصبح فيهم الوزير، والنائب، والعين…
حتى بات يصعب التمييز بين من جاء ضيفا، ومن وُلد هنا.

وفي المقابل، هناك دول أخرى اكتفت بالمراقبة من بعيد، لم تمنح وثيقة، ولا رقما، ولا مقعدا، ولا وظيفة… ومع ذلك لم نسمع منها عتباً أو نقداً.

لكن المفارقة، أن من عاش الكرامة هنا، هو من يُكثر من العتب،
وكأن ما قُدم له كان فرضا لا فضلا،
وكأن الكرم ضعف،
وكأن الاحتضان قابل للنكران.

ومع كل ذلك، لا ننتظر جزاءً ولا شكورا.
لكن حين يُختبر الولاء، يُقال كلام يوجع:
عن وطن مؤقت،
عن هوية عابرة،
عن عدو قريب أقرب من البعيد…

تُهمس هذه الكلمات في آذان الصغار:
أنهم في دار ليست دارهم،
وأن البقاء فيها تكتيك،
وأن طريق التحرير يبدأ من الداخل.

فهل بقي ما يُقال؟

نحن نعرف تماما أن الحروب لم تعد تبدأ من الحدود، بل من العقول.
وأن من يُربى على أن الأرض التي تحت قدميه ليست له،
سيكون أول من يتحول إلى سلاح ضد من احتضنه.

الكرم لا يُقابل بالإساءة،
والوطن الذي احتضنك لا يُجازى بالخذلان.
نحن لا نطلب الولاء المصطنع،
لكننا نحزن حين يُقابل الحب بالطعن.

نحن لا نُجيد اصطياد الخونة،
لكننا نعرف أن من لا يُحب الأرض، لا يُؤتمن على مستقبلها.

والوطن… لا يغفر لمن يطعنه وهو يبتسم.