هي قصة حقيقية يرددها والدي أمد الله في عمره لنا على الدوام، مفادها أنه وأثناء عمله في القوات المسلحة الأردنية، دُعي بصفته ضابط ارتباط بين الجيش العربي والتعليم العالي لافتتاح كلية الطفيلة الجامعية، قبل أن تصبح جامعة الطفيلة فيما بعد، وكانت مراسم الافتتاح برعاية سمو الأمير الحسن بن طلال ولي العهد آنذاك.
وكعادتهم أهلنا في الطفيلة الهاشمية بيت الكرم والجود والإيثار، فقد تم إعداد طعام الغداء لجميع الحضور من الطفيلة وخارجها، وبعد الافتتاح وقبل تناول الغداء، دخل أحد الرجال مسرعا وهو يردد ويقول: ( ابنو الصواوين، المطر لحقنا).
بسرعة يا شباب : بيضوا وجوهنا قدام سمو الأمير والضيوف...
تعجب الجميع من كلام الرجل بمن فيهم سمو الأمير، وكعادته طلب منه أن يجلس بجانبه ليفهم ما يقول، فتحدث له وبثقة ممزوجة بالخبرة والبركة والتوكل على الله، وقال يا سمو الأمير شكله المطر قادم إلى هنا خلال وقت قصير بعون الله، وعشان هيك لازم نستعد ونعمل حسابنا لذلك، ببناء صيوان لمنع المطر اذا هل علينا...
وعندها قال له الأمير مازحا يا رجل السماء صافية والأرصاد الجوية ما حكت فيه مطر، وصدقني مش مروحين من هون غير إحنا متغديين عندكم حتى لو أثلجت، فأنتم أهل كرم وبيوتكم بيوتنا جميعا .
وبالفعل بعدها بوقت وإذا بالسماء تجود ببركاتها وتمطر بخيراتها على المكان...
عندها تعجب سمو الامير من كلام الرجل ومن حديثه وكيف له معرفة ذلك وقال له ببساطة وثقة من ارشدك الى قدوم المطر... فقال ياسمو الامير احنا انخلقنا على الفطرة والبساطة والعون والسند من الله، وكما تعلم المطر رحمة من الله يأتي بأمر الله وينقطع بأمره،
وكما تعلم أحنا بموسم الشتاء -والاحتياط واجب- انا بس شفت (حماري البرمكي) صك اذانه وصار يلف بذيله اعرفت انه في مطر بالطريق، هيك تعودت وعلى هذا الحال بعرف متى أحرث ومتى ارزع من وانا صغير وربي مسيرها النا كل عام ...
كلنا يعلم أن مفاتيح الغيب خمسة وهي التي تضمنتها سورة لقمان، فقد روى البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر احد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، رواه البخاري...
في الختام أقول لا نقلل مما توصل اليه العلم الحديث في علم الأرصاد الجوية ولكننا للأسف الشديد أصبحنا نعتمد على حديث المتنبئين الجويين في كل شيء واصبحنا نعتبرها من المسلمات، وخصوصا أن عددا من الهواة وطلاب اللايكات والتعليقات قد صَدَّعُوا رؤوسنا وازكموا انوفنا وصموا اذاننا مع قدوم كل منخفض في فصل الشتاء، حتى انتزعت البركة والخير من المنخفضات الجوية فكم مرة اربكونا بقدوم الثلج والمطر والعواصف ولم يحدث! وكم مرة نمنا بهدوء واذا بالثلج يزورنا ويدق الباب بكل صمت.
صدقوني أن الأمر كله بيد الله من قبل ومن بعد وأن أمر هطول المطر بيد الله وحده،
ولو رجعنا قليلا إلى الوراء، لرأينا أمثلة كثيرة لحضور البركة في زمن ليس عنا ببعيد، فقريبا كانت البركة موجودة، ويشهد عليها آباؤنا وأجدادنا فهل من مستمع ومتوكل على الله وآخذ بالاسباب ومستعد لها دون إرباك.