قرار «العدل الدولية» انتصار «سياسي»

شخصيا أنظر إلى قرار محمكة العدل الدولية يوم أمس على أنه (انتصار سياسي) للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، واضافة جديدة لانتصارات 7 اكتوبر، ويجب أن لا نحمّل محكمة العدل الدولية أكبر من اختصاصها، وأن لا نتوقع منها القيام بما عجز عنه العالم منذ 7 اكتوبر، وألا نتوقع منها الطلب من اسرائيل ومن يقف وراءها وتحديدا الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا بوقف فوري لاطلاق النار، وأن تتم الاستجابة الفورية لقرارها وينتهي كل شيء!!..بالتأكيد لا أحد يتوقع ذلك..لكن القرار في حد ذاته وقبل الدخول في التفاصيل يعد تاريخيا بدءا من:
1 - اضطرار اسرائيل للمثول أمام «العدل الدولية» للدفاع عن نفسها كمتهمة بأكبر تهمة عالمية وهي «الابادة الجماعية»، والطلب من المحكمة رفض الدعوى.
2 - فرض تدابير مؤقتة فورية -حتى ولو لم تطلب وقفا فوريا لاطلاق النار-لكنها وافقت على باقي طلبات جنوب افريقيا والتي-بحسب ما قالته وزيرة خارجية جنوب افريقيا لا يمكن تنفيذها دون وقف لاطلاق النار.
3 - رفض المحكمة طلب اسرائيل برد الدعوى بعد أن وجدت أن هناك ما يستوجب المضي قدما ببحثها.
4 - اسرائيل أعلنت مرارا وتكرارا رفضها لوقف اطلاق النار حتى لو حكمت «العدل الدولية» بذلك، وهي ترفض باقي القرارات..ومع ذلك وفي اطار بحثها الدائم عن «صورة نصر» في أي شيء فقد سارعت وسائل اعلامها امس وفور صدور القرار باعتبار عدم المطالبة بوقف اطلاق النار انتصار لاسرائيل، كما ادعت بأنها تُدخل المساعدات الإنسانية الى غزة بعد أن طالبتها المحكمة بتسهيل إدخال المساعدات.
5 - جنوب أفريقيا ومن يؤيد دعواها يرون أن ما تحقق يعد انجازا مهما،..واعتبرت الحكم بأنه:«انتصار حاسم لسيادة القانون ومنعطف مهم في البحث عن العدالة للشعب الفلسطيني».
 * أما لماذا اعتبر قرار المحكمة «انتصارا سياسيا» أكثر من كونه انتصارا قانونيا فهذا مردّه للأسباب التالية:
1 - قرارات العدل الدولية نهائية وغير قابلة للاستئناف، ووفقا لميثاق المحكمة، فإن القرارات التي تتخذها ملزمة للأطراف، ولكنها ليست ملزمة لدول أخرى.
2 - رغم ذلك فالمحكمة لا تملك سلطة تنفيذ قراراتها، وما دامت إسرائيل لن تمتثل للقرار، فإنه بإمكان جنوب إفريقيا التوجه لمجلس الأمن الدولي ومطالبته بتنفيذه.
3 - في حال توجهت جنوب أفريقيا لمجلس الأمن فسوف تواجه مؤكدا بـ«الفيتو الامريكي» في حال تضمن قرار«المحكمة» وقفا فوريا لاطلاق النار،..ولكن هل ستستخدم امريكا «الفيتو» ضد وقف «الابادة الجماعية» ولدخول «المساعدات الانسانية»؟..أعتقد أنها سوف تتردد كثيرا قبل القدوم على ذلك، لأنها ستتعرض لانتقادات كبيرة من الداخل والخارج..وفي ذلك «نصر سياسي» للقضية الفلسطينية بكل الأحوال..مع التذكير هنا أنه وبحسب الأرقام الرسمية، فقد استُخدم «الفيتو» 260 مرة منذ تأسيس مجلس الأمن الدولي، كان نصيب أميركا منها 114 مرة، ضمنها 80 مرة لمنع إدانة إسرائيل،و34 لإفشال قوانين تدعم حقوق الفلسطينيين!
4 - كثير من الدول الغربية المساندة لاسرائيل ستجد صعوبة أكبر في تقديم الدعم العسكري والسياسي علنا لإسرائيل، بسبب الضغوط السياسية التي ستنشأ نتيجة لقرار المحكمة.
5 - عدم التزام اسرائيل سيظهرها أمام العالم بانها دولة تقدم نفسها على أنها كيان فوق القانون الدولي رغم كل ادعاءاتها بأن ما يقوم به من ابادة هو «دفاع مشروع عن النفس» الأمر الذي يحتم على المجتمع الدولي مزيدا من الضغط على اسرائيل لالزامها بتنفيذ قرارات المحكمة الدولية.  
6 - عدم تنفيذ الأحكام سيجعل من القانون الدولي حبرًا على ورق ويفقد المؤسسات الدولية مصداقيتها، وتحدي اسرائيل للقانون الدولي سيزيد من عزلتها دوليا خصوصا وأن لدى دول العالم ما يبرر حتى مقاطعتها لاسرائيل بعد صدور القرارات المؤقتة..لأن أي دعم لها يعني المشاركة في ارتكاب جريمة «الابادة الجماعية».
7 - ستشكّل قرارات المحكمة أداة ضغط مهمة بيد الدول والمنظمات الدولية لمساندة جنوب افريقيا في دعواها أمام المحكمة.
8 - أيضا هي ورقة ضغط بيد الشارع الغربي والامريكي وحتى الاسرائيلي خصوصا في ظل الانقسامات داخل الحكومة الاسرائيلية ومجلس الحرب مع تفاقم «أزمة الرهائن».
9 - من شأن القرارات أن تزيد الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لممارسة اختصاصتها التي خولها لها القانون الدولي، وأن تنظر إلى القضايا المرفوعة لديها ضد «مجرمي الحرب الصهاينة ».
باختصار: بالتأكيد كنا نتمنى أن يتضمن الحكم «وقفا لاطلاق النار»، لكن ما صدر بالتأكيد يؤكد للعالم صدقية الاتهامات التي قدمتها مشكورة جنوب افريقيا ويزيد من الحصار الدولي ضد ما ترتكبه اسرائيل من جرائم، كما ستحرج كل من يؤيدها خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا.. لأنها حين ذاك ستكون في دائرة الاتهام بالاشتراك في ارتكاب جريمة الابادة الجماعية.. ولذلك فان ما صدر يعدّ «نصرا سياسيا» كبيرا للقضية الفلسطينية صادر عن أعلى «محكمة دولية».