إشكاليات العدالة والتضامن: رحلة حقوق الإنسان في 75 عاما

تعيش حالة حقوق الإنسان هذا العام فترةً شائكة وغير مسبوقة، حيث أثار هذا الملف جدلاً واسعاً وهزّ ثقة الكثيرين حول العالم في مصداقيته، وتساءل البعض عن جدواه من الأساس. وللمصادفة أن يأتي احتفال العالم هذا العام اليوم بالذكرى السنوية الـ75 لاعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويصادف أيضًا الذكرى السنوية الـ30 لتأسيس مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.

 

وعلى مر السنوات ال 75، سعت جميع الأطياف من أفراد ومنظمات ونشطاء ودول إلى توجيه رسالتها إلى سكان العالم، داعية إياهم إلى الاطلاع على هذا الميثاق الهام وفهم أهمية حقوق الإنسان بأبعادها العالمية وعدم قابليتها للتجزئة. كما قامت بالهام الناس لإطلاق حركة إنسانية مشتركة تمكّنهم من النضال من أجل حقوقهم واتخاذ الإجراءات الضرورية في هذا السياق . وبعزم وإصرار متجدد، لا يزال علينا واجب الاستمرار في توسيع جهودنا وفي التكاتف مع الآخرين من أجل محو كل أشكال التعصب، والحد من التطرف في الغنى والفقر، وتحقيق المساواة بين الرجال والنساء، وتعزيز التنمية وبناء التفاهم بين ديانات العالم. والتأكيد على عالميتنا والمساواة بين الاجناس والاعراق ، وإن" ما يرفع أضعفنا من شأنه أن يرفعنا جميعاً". فتنفيذ التدابير القانونية المناسبة لحفظ الحقوق والفرص للجميع، ودعم المبادرات التعليمية التي تعزز التضامن الإنساني والمواطنة العالمية، يجب ان تستمر كخطوات أولية في تصويب المسارات الاصلاحية الجدية بشأن منظومة حقوق الانسان.

 

ومع ذلك، يبقى التحدي في كيفية إقناع الدول المانحة بالتوقف عن الازدواجية، وكيف يمكن للمنظمات الدولية العمل جنبا الى جنب لترسيخ هذه المبادئ على أرض الواقع. أكتب هذا المقال بعد تردد شديد، حيث تعترينا التساؤلات واحيانا الغير منطقية، وهي ماضية في طريقها لاحداث تحولات جذرية في طريقة تفكيرنا، خاصةً في ظل ازدواجية المعايير والأحداث المؤلمة التي شهدناها. ونتسائل هنا كيف سيتمكن الأفراد من التعامل مع ما بعد الصدمة، وكيف يمكننا حماية مجتمعنا من التأثيرات النفسية والاجتماعية للغضب العام تجاه الأحداث، وكيف سننقذ  من حولنا من الاكتئاب والقلق المتواصل؟ وكيف نحمي مجتمع يعاني من الغضب الشديد لمنظمات حقوق الانسان الدولية  .

حالة الغضب هذه تشرحها السيدة سحر دلشاد، أخصائية الإرشاد النفسي، بأن العدالة تعد فكرةً أخلاقية وفلسفية. وتُظهر التغييرات الجذرية التي يشهدها عالمنا حاليًا نتيجةً لتفاعل بين عمليتين: إحداهما هدامة في طبيعتها، والأخرى بناءة.  وهو الطريق الذي سيؤدي إلى بلوغ العالم الكامل وآثار عمل الأولى واضحة في كلّ مكان في المصاعب التي ابتليت بها مؤسسات كانت في الماضي محط احترام عظيم، وفي عجز القادة في جميع المستويات عن رأب الصدوع الظاهرة في بنية المجتمع، وفي انحلال المعايير الاجتماعية التي ضبطت طويلا الرغبات والميول غير اللائقة، وفي اليأس واللامبالاة الظاهرين ليس من جانب الأفراد فحسب بل من قبل مجتمعات بأسرها - مجتمعات فقدت أي حس حيوي بالهدف. ومع كون قوى الهدم مدمّرة في آثارها ونتائجها، إلا أنها تقوم بإزالة الحواجز التي تحول دون تقدم البشرية فاتحة المجال أمام عملية البناء لتقرّب الجماعات المختلفة من بعضها البعض، وكاشفة عن فرص جديدة للتعاون والتعاضد."

فكما صاغ ممثلون من خلفيات قانونية وثقافية مختلفة من جميع أنحاء العالم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي اعترف بالمساواة في الكرامة وبقيمة كلّ إنسان قبل 75 سنة، فنحتاج الان في 2023 وبعد ما شهدناه من تحولات جذرية في طريقة تفكيرنا وفق مشاهدات حية لطيلة الشهرين، نحتاج إعادة إحياء الروح التي أدت إلى اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأوّل 1948 من حيث التشديد على تلك المعايير الموضوعة الخاصة بالكرامة الأصيلة لكل كائن بشري، وعلى أن حكم القانون فوق مبدأ القوة  والى اعادة رسم الخارطة الأخلاقية للعلاقات الدولية.