الاصطفاف التضامني في الوعي الوطني الاردني

ما زلنا نتحدث عن ثبات الموقف الأردني تجاه الاهل في غزة ، والارتباط العضوي بفلسطين القضية والحقوق المشروعة، موقف جسدته وحدة الهوية والمصير المشترك ، إيماناً منا بأن الصهياينة بما اقترفوه من فعل اجرامي ليسوا أعداء للشعب الفلسطيني فحسب ، بل إن هذا الكيان هو عدو وجودي للأمتين العربية والإسلامية وبالتالي فإن الاصطفاف إلى جانب الاهل في غزة ليس مجرد اصطفاف تضامني عابر بوعي وقناعة ، بل هو فعل متصل بعلاقة وجودية، علاقة تجعل العدوان على الشعب الفلسطيني هو عدوان على الأردن الذي لا يقبل مشاهدة أي ضيم يلحق بالإخوة الفلسطينيين من قبل عدو الله والإنسانية دون أن يكون له موقف مساند ورادع لمثل هذا العدوان .

 

 

 

بيد أن الموقف الاستثنائي الذي سجله الأردن هو موقف مبدئي لا يقبل من أحد اختباره أو التعاطي معه بردود أفعال انتقاصية ، فالأردن إن قال وأعلن فإنه ينفذ بكل ما لديه من إمكانيات وقدرات، رغم محدوديتها ، لأن الاردن يؤمن ان هذه الحرب العدوانية حرب ظالمة ، يرتكب الكيان الإسرائيلي فيها أبشع وأقبح الجرائم والمذابح أمام مرأى ومسمع من العالم الذي تغاضى عن دماء أطفال فلسطين وعن المجازر التي ارتكبها بحق النساء والشيوخ وتدمير المرافق الصحية والخدمية، ولم تتوقف جرائم هذا العدو بالقتل والتدمير ، بل أرفقه بالحصار والتجويع والتعطيش والحرمان من الأدوية والعلاجات في سابقة غير معهودة في التاريخ الإنساني ، وهذا ما جعل الاردن يندفع لتقديم اقصى ما يمكن الى أشقائه في فلسطين، موظفاً كل قدراته وطاقته المتاحة التي تعد الأكثر عدلاً وأخلاقاً توجبها قيم الدين والهوية والجغرافية والتاريخ.

 

إن وقوف الأردن ملكاً وحكومة وشعبا مع الاشقاء في الضفة والقطاع ، في هذه الظروف العصيبة ، ليس معروفاً يسدى أو جميلاً يحفظ، بل هو الحق والواجب الذي يحتم علينا الوفاء للاشقاء ، فقد كنا وما زلنا أول المبادرين ، ولن نضن على أهلنا في غزة وفي فلسطين بما نستطيع من عون انطلاقاً من واجبنا القومي والوطني والديني والقيمي والانساني ، فمساعدة أهل غزة وفلسطين ليست منة ولا هي وعود بل هي واجب من الأخ نحو أخيه ،  لكن البعض المأزوم من الانبطاحيين قد يرى أن ما أقدمت عليه الحكومة الاردنية شكل من أشكال (البهرجه)، وهو كذلك وفق ثقافة الخزي والعار السائدة في الوعي الجمعي للمتخاذلين والمدسوسين وأتباعهم ، لكنه ليس كذلك عند أصحاب الوعي الوطني الذين ينظرون للامور بصورة كلية ، ويدركون أن العدو الصهيوني لا يقتصر في عدوانه على غزة وفلسطين بل يستهدف الوجود العربي والإسلامي برمته.

 

بكل المقاييس والاعتبارات يُعد الموقف الأردني المساند لغزة وشعب فلسطين هو الموقف الأقوى مقارنة بالمواقف الأخرى ، وهذا ليس فيه انتقاص من حق أحد أو ازدراء لبقية المواقف المساندة والداعمة لغزة ، لكن الاردن قيادة وشعباً ومن خلال هذا الموقف الحازم اثبت وجوداً في المعادلة الاقليمية وعلى المسرح الجيوسياسي الدولي ، خاصة بعد أن عبَّر عن موقفه من الجرائم الصهيونية ، حين قرر أن يكون جزءا من القضية يتداعي لمواجهة همجية صهيونية بكل الوسائل ، وهذا قرار يتناغم فيه كافة مكونات الشعب الأردني الواحد ، والذي لم يتردد في نصرة فلسطين ، اذ أن الموقف الاردني موقف جاد ومسؤول لأهميته في معادلة المواجهة الدائرة ، واتساقاً طبيعياً مع الشطر الغربي من النهر .

 

ختاماً.. فهذه تحية إجلال وتقدير الى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده وحكومته والشعب الأردني العظيم ، الذين وضعوا الأردن أرضاً وإنساناً في المكانة التي يستحقونها والتي تعبر عن أصالة فعل وعظمة موقف وإرادة تعانق السماء ..

والله ولي الصابرين