الملك عبدالله الثاني واستراتيجية الأردن السياسية

في افتتاح الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة التاسع عشر، ألقى جلالة الملك عبدالله الثاني خطاب العرش السامي، والذي كان بمثابة وثيقة استراتيجية ترسم خارطة الطريق المستقبلية للأردن.

 

أبدأ بتسليط الضوء على الرسالة الإيجابية التي أراد جلالته إيصالها حول تطور المسيرة الديمقراطية في الأردن. أن هذا الخطاب لم يكن مجرد كلمة تقليدية، بل كانت رسالة استراتيجية محملة بالأماني والتوجهات لمستقبل أفضل للأردن. أكد الملك على أهمية هذه المسيرة التي بدأت منذ نشأة الدولة، واعتبرها خطوة جديدة وثابتة نحو البناء والتعزيز والتحديث. وهذا الإلتزام بالتقدم والتطوير يعد رسالة ضمان للشعب الأردني بأن المستقبل سيكون أفضل.

 

جاء في مقدمة الخطاب تأكيد جلالته على أهمية المسيرة الديمقراطية التي شهدها الأردن منذ نشأته. وعندما يشير الملك إلى "مسيرتنا الديمقراطية"، فهو يعطي إشارة قوية للتزام الأردن بمبادئ الديمقراطية والحكم الرشيد. وهذا التأكيد يسلط الضوء على أهمية الاستقرار السياسي والمشاركة الشعبية في الحياة السياسية. وعلى صعيد الانتخابات النيابية، أكد جلالته على أهمية دور الأحزاب البرامجية في نظام الحكم البرلماني، وهذا يظهر التوجه نحو نظام ديمقراطي أكثر نضجًا وفعالية. فهو يرسم صورة للأردن كنموذج يُحتذى به في المنطقة، نموذجًا يجمع بين الحداثة واحترام التقاليد، بين الانفتاح والتمسك بالهوية. كما أن التركيز على دور الأحزاب البرامجية يعكس الرغبة في تحقيق نظام برلماني قوي يقوم على أسس وبرامج واضحة وليس مجرد تحالفات طارئة. ويظهر الرغبة في تطوير الساحة السياسية بما يضمن تمثيلًا أفضل للشعب وضمانًا لتطبيق برامج حقيقية تسعى لتحقيق التنمية والازدهار.

ومن الجدير بالذكر أن جلالة الملك عبدالله الثاني أكد على أهمية الشباب والنساء في المرحلة المقبلة، داعيًا مؤسسات الدولة لتعزيز دورهم في الحياة السياسية. هذه دعوة واضحة لضمان مشاركة جميع شرائح المجتمع في تقرير مصير البلاد. وبما ان الشباب والنساء هما عمود البلاد الفقري، جاء التأكيد على دورهما في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كمؤشر لتطور المجتمع الأردني واستعداده لاستقبال جيل جديد من القيادات. هذا التأكيد يرسل رسالة قوية بأن الأردن ينظر نحو المستقبل بروح مبتكرة وشابة، ويعتبر الشباب والنساء عنصرين أساسيين في هذه الرؤية. تأكيد جلالته على دور الشباب والنساء يُظهر أهمية هذين العنصرين في بناء المستقبل، وهذا يعكس الرؤية الحديثة للأردن الذي يسعى للابتكار والتجديد.

على الصعيد الإقليمي، تحدث الملك عبدالله عن الأوضاع المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية، مؤكدًا على أن الأمن والاستقرار في المنطقة مرتبط بتحقيق السلام العادل. وأكد على موقف الأردن الثابت تجاه فلسطين، معتبرًا القدس الشريف رمزًا وتاجًا للأمة العربية، وهذا يعكس التزام الأردن الأبدي والدائم تجاه القضية الفلسطينية والدفاع عن المقدسات في القدس. وقد أكد جلالته على الدور المحوري الذي يلعبه الأردن في المنطقة، خاصة في ظل الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. هذه الوصاية، التي تمثل جزءًا أساسيًا من التزام الأردن التاريخي، تأتي في سياق التضامن العربي الذي أكد عليه الملك في خطابه، مشددًا على أهمية الوقوف مع القضايا العربية وخصوصًا القضية الفلسطينية، وبالتأكيد على دور الأردن في الوقوف إلى جانب القضايا العربية، مما يعكس التزام الأردن بمبادئ العروبة والتضامن العربي.

لم يغفل جلالته عن الإشادة بالجيش العربي والأجهزة الأمنية، مؤكدًا على الدور الحيوي الذي تلعبه في حفظ الأمن والاستقرار في البلاد. أشاد الملك بجهودهم المستمرة وأكد على أن دعم الجيش العربي والأجهزة الأمنية ليس مجرد واجب وطني، بل هو تعبير عن الثقة الكاملة وتقديرًا لتضحياتهم.

في الختام، خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني يمثل خريطة طريق واضحة ومحددة للأردن في المرحلة المقبلة، مع التأكيد على القيم والمبادئ التي تقوم عليها الدولة، والتي تتمثل في التطوير والديمقراطية والتضامن العربي.