د. ليث كمال نصراوين
يفتتح جلالة الملك يوم الأربعاء القادم الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة بإلقاء خطبة العرش في مجلسي الأعيان والنواب مجتمعين، وبذلك يبدأ مجلس النواب التاسع عشر السنة الرابعة من عمره الدستوري، والذي عقد فيها ثلاث دورات عادية ودورة غير عادية.
فمجلس النواب الحالي قد جرى انتخابه في العاشر من شهر تشرين الثاني من عام 2020، فهو قد تشكل بعد مرور الموعد الدستوري المحدد لبدء الدورة العادية في الأول من شهر تشرين أول من كل عام. بالتالي تمت دعوته لدورة غير عادية ابتدأ فيها حياته الدستورية، وذلك عملا بأحكام المادة (73/1) من الدستور.
ويبقى اللافت للنظر أن جلالة الملك قد مارس حقه الدستوري في إرجاء اجتماع مجلس الأمة في دورته العادية الثالثة لفترة زمنية قصيرة من حيث عدد الأيام، في حين كانت الإرجاءات الملكية السابقة للدورتين العاديتين الأولى والثانية لمجلس النواب التاسع عشر تمتد لأكثر من أربعين يوما؛ حتى منتصف شهر تشرين الثاني من كل عام.
إن هذه الرغبة الملكية في الإسراع بعقد الدورة العادية القادمة لمجلس النواب لا يمكن فصلها عن التصريحات المتكررة بأن الانتخابات النيابية ستُجرى في العام القادم. فسرعة البدء بعقد الدورة البرلمانية الأخيرة ومدتها ستة أشهر تنتهي في مطلع شهر نيسان من عام 2024 يعطي انطباعا عن الجدول الزمني المحتمل لإجراء الانتخابات التشريعية القادمة.
ويرافق انعقاد الدورة العادية القادمة لمجلس الأمة جملة من الاستحقاقات الدستورية أبرزها انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب وأعضاء المكتب الدائم فيه من نواب الرئيس ومساعديه، حيث أعادت التعديلات الدستورية لعام 2022 مدة رئاسة مجلس النواب إلى سنة شمسية واحدة بدلا من سنتين شمسيتين.
وتشير التقارير الصحفية إلى أن هناك عددا من النواب المخضرمين قد أعلنوا ترشحهم لرئاسة المجلس، مما يعطي انطباعا بأن انتخابات الرئاسة في الدورة القادمة ستكون حقيقية وتنافسية، ما لم يتغير المشهد الانتخابي في الأيام والساعات الأخيرة وتبدأ الانسحابات من خوض الانتخابات.
وما يميز الانتخابات القادمة أنها ستُجرى لأول مرة وفق النظام الداخلي المعدل لمجلس النواب لعام 2023 الذي فرض تمثيلا نسائيا في المكتب الدائم. فالمادة (7) من النظام الداخلي لمجلس النواب بحلته المعدلة تنص على أنه إذا لم تفز إمرأة بموقع الرئيس أو أحد موقعي النائب الأول والثاني، فإنه يقتصر حق الترشح لموقع أحد مساعدي الرئيس على المرأة، وذلك وفق تعليمات يضعها المكتب الدائم لهذه الغاية.
وهنا لنا أن نتساءل عما إذا كان المكتب الدائم لمجلس النواب قد قام فعلا بإعداد هذه التعليمات لغايات التعامل مع انتخاباته الداخلية القادمة ولضمان تمثيل المرأة في مكتبه الدائم، وذلك كما تقرر في النظام الداخلي للمجلس.
وبعد الانتهاء من تشكيل المكتب الدائم، سينشغل مجلس النواب في اختيار لجانه النيابية، والتي سيراعى فيها النصوص القانونية المعدلة في النظام الداخلي لعام 2023، التي زادت من عدد لجان المجلس لتصبح عشرين لجنة سيجري اختيار الأعضاء فيها إما عن طريق الانتخاب أو التزكية المباشرة. فزيادة عدد اللجان في مجلس النواب وإعادة النظر في المهام والاختصاصات المسندة لكل لجنة سيجعل من الدورة البرلمانية القادمة فرصة حقيقية لتجربتها واختبارها على أرض الواقع.
وعن مجريات الأحداث المتوقعة في الدورة العادية القادمة، فإنها في الغالب ستشهد استعراضا نيابيا في مجال الرقابة البرلمانية على الحكومة، وذلك لأسباب متعددة أهمها أن استطلاعات الرأي الأخيرة قد أظهرت ضعفا واضحا في الوظيفة الرقابية لمجلس النواب الحالي، وبسبب قرب حل المجلس النيابي وعودة أعضائه إلى قواعدهم الانتخابية. فالنواب الحاليون سيستغلون الدورة البرلمانية القادمة لإعلان بدء حملاتهم الانتخابية مبكرا، ولفت أنظار مناصريهم ومؤازريهم إلى مواهبهم البرلمانية، وذلك طمعا في إعادة انتخابهم إلى مجلس النواب العشرين.
إن الحماسة الزائدة التي سيبديها النواب في نهاية حياتهم البرلمانية قد تلقي بظلالها على شكل العلاقة مع الحكومة؛ فقد شهدت السنوات الثلاثة الماضية حالة من الهدوء والسكينة النسبية بين النواب ورئيس الوزراء والوزراء حيث كانت المشاحنات والمناكفات البرلمانية في حدودها الدنيا. وهذا الأمر من المتوقع أن يشهد تغير جذريا خلال الشهور القادمة.
أما على الصعيد التشريعي، فلا تكاد توجد استحقاقات تشريعية قادمة يتعين على السلطتين التشريعية والتنفيذية التعاطي معها، باستثناء قانون الموازنة العامة لعام 2024. وقد ترسخت الممارسة الدستورية في هذا المجال على تأجيل إقرار هذا القانون والتصديق عليه حتى الأشهر الأولى من العام الجديد، وأن الاستعراضات النيابية في الموازنة العامة من كلمات وعبارات رنانة تنتهي دائما بالتصويت بكثافة لصالح مشروع القانون الذي تقدمه الحكومة دون إدخال تعديلات جوهرية عليه.
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية