كثيراً ما تغنى الشعراء بالأمل، ذاك البلسم لكل قلب مجروح، يجدد العزيمة والإرادة لتستمر هذه الحياة.
وما أحوجنا في الأردن وسط هذه السماء الملبدة بغيوم السوداوية الكئيبة، في زحمة الأحداث الأخيرة التي استنفذت الكثير من جهدنا وتفكيرنا ومواردنا، بل بلغ الأمر أن استنزفت دماء شبابنا وحكمة شيبنا، فاختلط الحابل بالنابل - ما أحوجنا والحالة هذه إلى مسحة أمل .. كما قال أبو الفتح البستي :
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال
ففي يوم الإثنين الماضي رعى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين "إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي" !
لكن الغريب في الأمر أن هذا الحدث مر بصورة لا تتناسب مع حجم وأهمية هذه الإطلاقة ..
بل أنا أكاد أجزم أن أكثر الناس في الأردن لا يعلمون ماذا يعني إطلاق هذه الرؤية ! رؤية 2032 إن صح التعبير.
لماذا؟
لأنها ستنفذ على مدى عشر سنوات، وعبر ثلاث مراحل، فيها 366 مبادرة تشمل مختلف القطاعات.
الزبدة يامهندس؟؟
توفير مليون فرصة عمل جديدة للأردنيين.
هذا السطر وحده كفيل بأن يفتح الآذان والعيون على مصراعيها، لا سيما وأن الحكومة تبنت والتزمت التنفيذ.
ويبرز التحدي حين نسمع دولة الخصاونة يعلن متابعته شخصيا لتنفيذ مخرجات هذه الرؤية.
التزام من العيار الثقيل خاصة في هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية.
فماذا عساهم سيفعلون ليتجاوزوا تلك المعوقات.
هل ستستطيع حكومة الخصاونة اتخاذ القرارات الصعبة المطلوبة لمنع سنة الحكومات السابقة: ترحيل المشكلات ؟
الخصاونة يجيب مجددا: "الحكومة تعاهد جلالة الملك والجميع بأن يد وروح السوداودية لن تكسر روحنا".
لغة حازمة وصارمة تثير الحيرة ولكني لا أستطيع أن أخفي إعجابي بهذه الروح.
ليس هناك أسهل من الانسحاب والخروج بسلامة النفس من وسط المعمعة التي تشير كل الدلائل فيها إلى قرب الهزيمة.. على قاعدة: السلامة لا يعدلها شيء.
لكن حين ترى من يصمد ويلتف بكله وكلكله على رايته وحتى آخر رمق .. فهذا شيء يثير الإعجاب.
وبعيدا عن هذا كله ..
تذكرت وأنا أكتب هذا الجزء معركة «شقحب» حين قاتل المسلمون التتار وكان التتار كثرة! وشيخ الاسلام ابن تيمية يحرض الناس على جهاد التتار ويقول: نحن منصورون! قالوا له: قل: إن شاء الله. فكان يقول: تحقيقا لا تعليقا. وكان يعجب الناس من إجابته وثقته.وانتصر المسلمون فعلا يومها.
نعود إلى ما كنا فيه ..
السؤال: على أي شيء تراهن الحكومة؟؟
تعول الحكومة على ثمانية محركات لنمو الاقتصاد الوطني:
الصناعات عالية القيمة، والخدمات المستقبلية، والأردن وجهة عالمية، والريادة والإبداع، والموارد المستدامة، ونوعية الحياة، والبيئة المستدامة، والاستثمار.
كلام كبير وجميل يحتاج أيادي وعقول تجعله واقعا وحقيقة.
يحتاج إدارة من نوع خاص، وخاص جدا!
بكل بساطة.. نحتاج أن نعيد الألق للجهاز الإداري الأردني.
فنحن بحاجة ماسة للابتكار والريادة لنتمكن من تحقيق إمكانات التنمية وتعزيز رأس المال البشري.
لقد جرى الحديث أثناء حدث الإطلاقة حول رفع مستويات النمو المستدام والشامل!
يعني (بالمشرمحي): إطلاق كامل الإمكانات الاقتصادية للمملكة .. أو لنقل: الاتجاه الصاعد في صافي الناتج المحلي.
ومن جانب آخر فقد طغى الحديث حول الشراكة بين القطاعين العام والخاص وأهمية دوره في تحقيق الرؤية على الجلسة الحوارية التي انعقدت على هامش الإطلاقة ..
وانتبه أخي القاريء .. شراكة وليست استحواذ كما يروق للبعض أن يسميها من باب خلط الأوراق .. متناسين أن أن كافة الدول التي حققت قفزة نوعية في اقتصادها، كان هذا بسبب تلك الشراكة.
القطاع الخاص ركيزة أساسية في بناء مهارات الفرد وتوفير الفرص له.
يجب أن نحافظ ومن باب أولى نغتنم الاستقرار الذي يتمتع به الأردن سياسياً واقتصادياً، وماله من نصيب وافر من رأس المال البشري الشاب والموهوب، وكذلك الموقع الاستراتيجي؛ لأن هذه الأربع كنز يغري الكثير من كبار الشركات العالمية في العالم للبدء بالاستثمارات في المملكة.
الخلاصة،،
محيط ملتهب، وظروف اقتصادية استثنائية في الصعوبة، وأيادي خبيثة تمتد في حلك الظلام، ووصاية على القدس مهددة، وجلالة الملك لا يكل ولا يمل ليخرج بالأردن والأردنيين من عنق الزجاجة.