عوض ضيف الله الملاحمه
أصبح الخوف يَسْكُن قلوب وعقول الأردنيين ، حتى تعددت مخاوفهم . يخافون من إنعكاسات تغير المناخ ، ومن آثار الحرب الروسية الأوكرانية . يتخوفون من شُحِّ المطر ، ومن قمحهم الذي إنحسر . ويخافون على زيتونهم المُقدّس ان يجِفَ زيته . الأردنيون يتحسرون الآن على خيولهم الأصيلة ، التي إنقرضت ، الّا من إسطبلات الأثرياء ، الذين أثْروا على حساب الوطن والمواطن . حتى أننا نسينا الأصايل وأسمائها ، وأنواعها ، وصفاتها ، ومزاياها ، ولا يرسخ في ذاكرتي الّا المرحوم الفارس الشيخ / عطا الله بن عواد العضايلة ، الذي كان في إستعراضاته يلف سيجارة الدخان ( الهيشي ) وهو يدور بجسمه حول فرسه في حركة دائرية سريعة كما المِغزل ، كما كان يلتقط الأجسام الصغيرة من على الأرض وهو في قمة إنطلاقه على الأصيلة أثناء مشاركاته في سباقات الخيل في المناسبات والأفراح . وآخر ما تختزنه ذاكرتي مُهرة المرحوم الشيخ الجليل الوقور الحاج / عبدالله بن إعمر العضايلة ، عندما كان يمتطيها ذاك الشيخ الجليل . كما كان يمتطيها إبن أخيه ، الجار والنسيب وزميل الدراسة ورفيق العُمر الدكتور / علي بن محمد بن إعمر العضايلة ، عندما كان فتياً ، وهي مُهرة أصيلة شقراء مائل لونها للصُفرة . وهنا أتساءل : هل بدأ الأردنيون يفتقدون أصالتهم كإفتقادهم لفروسيتهم وخيولهم الأصيلة !؟
مخاوف الأردنيين كثيرة جداً ، لدرجة يصعب حصرها . الأردنيون يخافون على بناتهم ويَدعون ان يُرزقن بأزواج يوفرون لهن السِتر والعيش الكريم ، ويخافون على أولادهم لحصد مقعد في الجامعة ، وتأمين الرسوم ، وإيجاد فرصة عمل بعد التخرج . الأردنيون يخافون من التعرض لحوادث السير من السائقين الطائشين .لا بل إن الأردنيين يخافون حتى من عدم ضخ المياة في موعدها الإسبوعي ، مع ان الوزارة هي التي تضع برنامج توزيع المياة منفردة وتخالفه هي !؟ الأردنيون يخافون من نفاذ الراتب قبل إكتمال الشهر . وأصبحوا يخافون من قدوم الضيف لدرجة ان بعضهم صاروا يعتبرونه إبتلاءاً . الأردنيون يخافون على وطنهم من الضياع في ظل هذا التردي غير المسبوق ، وفي ظل الإرتهان للأعداء ، وتمكينهم من مقدرات الوطن ، وتدنيسهم لطُهر أرضه . الأردنيون قلقون على أبنائهم من الإنحراف ،أخلاقياً ، وقيمياً ، ودينياً ، بسبب عِظم وخطورة الإستهداف الغربي ودعمهم للمثلية وغيرها .
مخاوف الأردنيين متعددة ، ومشروعة ، لأن لها أسبابها ، ومسبباتها ، ولا يمكن حصرها ، وما ذُكِر أعلاه ليس الّا نماذج محدودة من مخاوف الأردنيين . الأردنيون كانوا يخافون على الوطن ومستعدون للتضحية في سبيل رِفعته وتقدُّمه وصيانة حياضه من أي خطر يهدده . ولنا في شهدائنا البواسل الذين لم تجف دمائهم الزكية بَعدُ ، أفضل وأرقى وأقوى الأدلة ، وإلا لماذا إستشهد أسد القلعة الشهيد / سائد محمود المعايطة ، والشهيد / راشد حسين الزيود ، والشهيد الطيار / معاذ صافي الكساسبة ، وغيرهم عشرات الألوف من شهدائنا الأبرار .
نعم الأردنيون يخافون على وطنهم ، لكنهم الآن أصبحوا يخافون عليه ، ويخافون منه . الأردنيون يخافون على وطنهم ، وعلى أنفسهم ممن يديرون شؤون وطنهم . ولذلك عدة أسباب منها : أنهم يخافون على الوطن من إستمرار الإنحدار في أغلب مفاصله ، دون ان يبدو في الأفق بصيص أملٍ يُرتجى ، لوقف هذا الإنحدار المدمر . الأردنيون يخافون من زحف الأعداء وتمكينهم من سيادة الأرض ، وربط مياهنا وطاقتنا بألدِّ أعدائنا ، لا بل والسماح لهم بموطيء قدمٍ على أرضنا الطهور ، وهم يتربصون بنا ، ويتحينون الفرصة المناسبة للإنقضاض عليه ومحو إسمه من الوجود . لكن الأردنيين الآن يخافون من وطنهم أيضاً ، ويخافون ممن يديرونه لأنهم يسلبون حرياتهم .
ما يخيف الأردنيين ، خوفاً شديداً ، ربما ان نسبة ليست بسيطة منهم ترتعد فرائصهم ، وترتجف أصابعهم من التعليق على مقال او منشور إجتماعي عادي !؟ لا أعرف لماذا !؟ وما السبب !؟ وما الذي أوصل الأردنيين الى هذا الحد من الرعب !؟ وللعلم هذه الدرجة العالية من الخوف إستجدت حديثاً . الأردنيون أصبحوا يخافون من التعليق على مقالات تتطرق لمواضيع في قمة الأهمية والخطورة . أإلى هذا الحد وصل الرعب !؟ أإلى هذا الحد وصل الخوف !؟ ما مسبباته !؟ وما دوافعه !؟ وما الذي أوصل الأردنيين الى هذا الحد من الخوف !؟ أعرف انها أسئلة إستفهامية إستنكارية ، وأن إجاباتها معروفة .
الاردنيون يخافون على أبنائهم وعائلاتهم من البرد القارص ، بعد توالي رفع أسعار المحروقات حتى وصلت الى سقوف سعرية غير مسبوقة وغير منطقية ، حتى وصلت كلفة تشغيل صوبة ( الفوجيكا ) الى ( ١٥٠ ) ديناراً شهرياً !؟ ما دام هناك خوفاً — أي نوعٍ من أنواع الخوف — يسكن إنساناً من غير المنطقي ان نتحدث عن الأمن والأمان .
وأختم : الأردنيون بدأوا يتشككون ويتساءلون عن مفهوم الوطن والمواطنة ، ودواعي الإنتماء اليه ، والتضحية من أجله ، اذا كان لا يصون كرامتهم ، وتغيب فيه العدالة ، ولا يوفر عيشاً كريماً لهم . الأردن الوطن أصبح مُقصراً بحقوق أبنائه ، بسبب تخبط سياساته ، وفساد مسؤولية ، وإفتقارهم لخبرات بمستوى إدارة وطن . العلاقة التي تربط أي مواطنٍ بوطنه تنحصر في شيئين إثنين هما : الحقوق ، والواجبات . الأردنيون قدموا ما عليهم من واجبات تجاه الوطن حتى حدّ الشهادة وتقديم أرواحهم لأجله ، لكن الوطن قصّر وأصبح غير قادرٍ على تقديم حقوق المواطنة المكتسبة . الأردنيون كرماء ، ولا يذل الكريم الا اللئيم . لعنة الله على كل من ساهم بزرع الخوف في قلوب الأردنيين ، وإمتهانهم ، وفقرهم ، وعوزهم .