كتب وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة:
اليوم ذكرى استشهاد وصفي التل الذي ما يزال رمزا في نفوس من عرفوه او عرفوا تفاصيل سيرته ومسيرته، وعادة مايكون الشهداء الرموز من رجال الجيش والاجهزة الأمنية، لكن وصفي كان رئيسا للوزراء لكنه اختار ان يكون سياسيا بروح الجنود والجندية، فكان شهيد قضية وليس اشرف من معركة يخوضها السياسي او العسكري للحفاظ على هوية بلده واستقرارها واستمرارها.
وعلينا ألا ننسى ان وصفي كان رئيس حكومة وانه كان يعمل في دولة يوجهها الحسين رحمه الله، لكنه كان يملك مواصفات زعيم سياسي وكان اردنيا وهو يخدم بلده وقيادته.
وصفي تحول إلى رمز ليس لأنه استشهد فقط فقد كنا ونحن اطفال نرى صورته معلقه في بيوت الأردنيين، أصبح رمزا لأنه كان يشبه الأردنيين وكانت لديه رؤية للقضايا المهمة في بلده من الزراعة إلى السياسة إلى القضية الفلسطينية وفي كل مجال، لم يكن موظفا برتبة رئيس حكومة يهمه ان يحمل لقب "دولة” ويحصل على امتيازات مالية ثم يمرر الوقت إلى حين اقالته، بل كان في كل مرحلة من حياته العملية لديه مايقوله ولديه مايفعله.
وصفي لم يصنع المعجزات ولم يحول الأردن إلى جنة على الأرض لكنه كان صادقا مع الناس ومع الملك، وحين كانت الدولة الأردنية تحتاج إلى من يضحي، لم يخذل الاردن وكان رجلا، لم يختبئ في مكتبه او يرتجف بل كان اردنيا يعرف معنى ان تكون رئيس وزراء والأهم كيف تكون ابنا وفيا للبلد وقيادتها، ولهذا بقي خالدا في قلوب وعقول الأردنيين حتى الاجيال التي ولدت بعد استشهاده بعقود.
كلمة السر في وصفي وفي كل رجل قدم للأردن في المراحل الصعبة ليست في اسماء الجامعات الأجنبية التي تخرج منها او في علاقات مع جهات هنا او هناك بل في انه كان مؤمنا بالدولة الأردنية، وكان مستعدا ليكون اول المقاتلين خلف قيادته.
وصفي لم يكن صغيرا في عقله ولم يكن مشغولا بتنفيع المحاسيب او بالجغرافيا الضيقة او بتغيير سيارته او بالانتقام ممن ليسوا معه، بل كان ابن كل الجغرافيا الأردنية ولهذا فهو اليوم رمز لكل الأردنيين وليس لمن جعل منهم وزراء او كبار موظفين.
وصفي الشهيد والسياسي حالة فريدة لكن تكرارها ليس مستحيلا، فوصفي كان مسؤولا في مراحل صعبة سياسيا واقتصاديا، لكنه كان صادقا مع نفسه ومع الناس، لم يحاول التذاكي على الأردنيين بادعاء الوطنية بينما اجندته لا تتعدى شلته ومحاسيبه، تعامل بعفوية وصدق وحين كان الردن يحتاج رجلا وشهيدا كان أول جنود الأردن والحسين.
وصفي ليس معجزة بل حالة رجولة وصدق، رجل دفع ثمن هويته وهوية الأردن بقرار إعدام نفذه مجرمون، لكنهم كانوا في حماية قرار من أطراف عديدة ولهذا لم تقم المحكمة المصرية التي حاكمت قتلته بإدانتهم بل منحتهم البراءة، فبعض المراحل لا تتسع لرجال لهم هوية ولون بل تبحث هذه المراحل عن أشخاص لاطعم ولا لون ولا رائحة لهم.
هو الإنجاز الذي يجمع الأردنيين وليس تمرير المراحل وهو الصدق والرجولة التي يبحث عنها الناس في مسؤولي حكوماتهم، فالأردني يعلم موارد وظروف بلده لكنه يبحث عن رجال حكومات يقدمون لا من تسمع بهم فقط في مواسم البروتوكول وعند اي ازمة في اي مؤسسة تختفي آثارهم ويصيبهم الخوف لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون.
وصفي ليس من عالم آخر، هو رئيس وزراء لدولة كانت في مهب الريح، دولة فقيرة، لكن لديه أفق وعندما تواطأ بعض الإقليم لإقامة أول وطن بديل في الأردن كان أول الرجال ومعه رفاقه خلف الحسين ودفعوا أثمانا مختلفة اعلاها الموت لكنهم انجزوا المهمة الكبرى، ان يبقى الاردن هو الاردن وفلسطين هي فلسطين.
مابين انجاز بأن تحفظ لبلدك هويته وبين إنجازات بعض من حملوا اللقب الذي حمله وصفي هناك الفرق بينهم وبين وصفي، هو الشهيد والرمز عند الأردنيين وهم من يقضون مدة خدمتهم في حساب كم سيحصلون على تقاعد.
رحم الله وصفي وكل امثاله وكل أردني وضع حجرا في بناء الأردن.