الاقتراب من الهدف!‏

لعل الحقيقة الوحيدة التي نُجمع عليها بعد هذا النقاش المحتدِم حول شؤوننا المحلية هي ‏أن واقعنا الراهن بحاجة إلى إصلاحات عميقة في جميع المجالات والقطاعات، وتلك ‏الحقيقة هي الدافع القوي وراء مراجعة المنظومات السياسية والاقتصادية والإدارية؛ ‏من أجل التحديث والإصلاح والتغيير، بغض النظر عن الخلافات القائمة حول ‏الطريقة المُثلى التي يمكن أن تقودنا نحو الهدف.‏
المتابع للنقاش الدائر في البرلمان حول قانوني الأحزاب والانتخاب، أو موازنة الدولة، ‏وموازنات الوحدات الحكومية، يمكن أن يستخلص الكثير من النقاط المشتركة في ‏توصيف الواقع، وحجم التحديات التي نتعرض لها، ومدى الحاجة الأكيدة والعاجلة ‏لرسم خارطة الطريق التي تخرجنا من كل تلك المآزق، كي ندخل إلى مرحلة جديدة، ‏هي تلك التي وضعنا لها عنوانا تاريخيا بعد أن أتمّت الدولة مئة عام على تأسيها، ‏وسميناها المئوية الثانية من عمر الدولة، التي تتزامن سنتها الأولى مع تحولات إقليمية ‏ودولية متسارعة، لا نعرف خيرها من شرّها!‏
النقاش والحوار الموضوعي، مهما اختلفت المواقف والآراء، من شأنه أن يضع حدًّا ‏لجدل عقيم خُضنا فيه وقتا طويلا ضائعا، وكان العامل الأكثر تأثيرا في ذلك الجدل ‏هو فقدان الثقة بالقدرات التي نملكها للتغيير، في غياب المعايير التي نستطيع من ‏خلالها التمييز بين القدرات الفردية، والقدرات المؤسسية المتمثلة في مؤسسات الدولة ‏العامة والخاصة؛ فقد تم الخلط الخاطئ بين كفاءة المسؤول، وكفاءة المؤسسة، وإن ‏كان تأثير القيادات الإدارية العليا سلبا أو إيجابا في مستوى الأداء العام لا يمكن إنكاره.‏
إذا كان الأمر كذلك فهناك بعدان مهمّان يفرضان النظرية القائلة: إن سوء اختيار ‏المسؤول هو في حد ذاته خطأ مؤسسي خطير؛ فالبعد الأول يتعلق بمسألة الاختيار، ‏والثاني يتعلق بالسياقات التي تسمح بحدوث خطأ من هذا النوع، وعندما يتعلق الأمر ‏بتحديات أو أزمات من النوع الذي نواجهه اليوم، فإن إصلاح الإدارة من الناحيتين ‏النظرية والعملية، يشكل الأولوية الأولى في مجمل عملية الإصلاح والتغيير، من أجل ‏التعافي والنهوض، والتقدم خطوات إلى الأمام!‏
في هذه المسألة بالذات يمكننا أن نفهم من الرسالة التي وجهها جلالة الملك عبدالله ‏الثاني للشعب، بمناسبة عيد ميلاده الستين، أنه لا مكان بيننا لمسؤول يهاب اتخاذ ‏القرار، والتغيير الإيجابي، أو يتحصن وراء أسوار البيروقراطية خوفا من تحمل ‏مسؤولية قراره، وأنه لا بد من حماية ودعم لكل مسؤول يتخذ القرار بمسؤولية ‏واقتدار، وأن هذا الدعم في الحقيقة يُبنى أساسا على الإستراتيجيات الموضوعة ‏والخطط المرسومة، والحاكمية الرشيدة بما فيها من تشاركية، وشفافية، ومساءلة.‏
إذا كان الهدف المرحلي هو التوصيف الدقيق للأمر الواقع الذي يسبق مرحلة التغيير، ‏فإننا أقرب ما نكون لهذا الهدف، ولكن الجدل يجب أن يتوقف عند نقطة معينة، وفي ‏رأيي أن تلك النقطة تتمثل في حوار وطني بين أصحاب الخبرة والاختصاص في ‏الشأن الاقتصادي، يجري التحضير له طبقا للرسالة الملكية من أجل إطلاق الإمكانات ‏لتحقيق النمو الشامل، وإيجاد فرص العمل أمام الشباب، وتحسين مستويات المعيشة، ‏وضمان حياة  أفضل  للمواطنين جميعا، وكلها غايات لا يمكن تحقيقها إلا إذا أجمعنا ‏على الهدف الذي يرتقي إلى مستوى المصير! ‏