فيصل تايه
بعد مخاض مرهق انفض المولد ، وخرجت نتائج امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة بشكل افضل مما توقعنا ، لذلك ، دعونا اولاً نبارك لابنائنا الطلبة الذين حالفهم الحظ بالنجاح في هذا اليوم الطيب المبارك ، هذا اليوم ، الذي زيّنوه بالفرح والسعادة ، ونقشوه بالجدِّ والاجتهاد ، فكان استحقاقاً طيباً لمثابرتهم في سنة كورونية استثنائية ثانية ، وبالنظر إلى النتائج التي تحققت ، فقد خاض ابناؤنا الطلبة وعائلاتهم المعركة بشرف وكسروا حاجز الخوف ، متجاوزين كل الصعاب ، بضمان صوابية اجراءات وزارة التربية والتعليم الفنية والاحترازية وبالتقيد بالبرتوكول المعتمد وبالتعاون مع الاجهزة المختصة جواً امتحانياً امناً يسوده الطمأنية والراحة ، حفاظاً على المصداقة والعدل والمساواة ، حيث ما زالت الوزارة تصّر على ان تبقي على هذا الامتحان ، امتحاناً وطنياً سيادياَ تكافح من اجل الحفاظ على هيبته ، وتسعى من اجل رُقِيِّه وتطويرِه ، ليكونَ ليسَ نهايةَ مرحلة أو بوابة للمجهول ، بل ضماناً للمستقبل.
اما وقد تم الاعلان عن هذه النتائج اخيراً ، فقد انتهى موسم الثانوية العامة بكل ما له وما عليه ، وطويت صفحته ، فمن حق الناجح الآن أن "يرفع إيده" ملوحاً بنجاحه ، وفي اعتقادي ان أول الناجحين كان الوزير "النبيل" الدكتور "محمد خير" ابو قديس ، فلا احد يستطيع ان ينكر ان الموسم لم يكن "سمن على عسل" بل كان مليئا بالتجاذبات والمنعرجات ، وفي ذلك لا بد من ان نقول كلمة حق ، ان وزارة التربية والتعليم قد راهنت على نجاحها في تجاوز هذه المرحلة ، وكانت واثقه كل الثقة رغم كل الصعوبات والمعوقات والشائعات والتفاصيل المقلقة التي رُوجت بطريقة غير معتادة ، والتي أرهقت الطلبة واهاليهم على حد سواء .
اننا وعلى مدار سنوات من امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة وتاريخه ، تعودنا على أليات عمل وزارة التربية والتعليم واجراءاتها ، حيث تقوم باستنفار كافة إمكاناتها في إدارة الامتحانات والاختبارات لتتخذ الخطوات الصائبة في الطريق الصحيح في متابعات جادة تسعى من خلالها إلى إتاحة الوقت الكافي للمراجعة والتدقيق في النتائج لتخرج بالصورة المؤملة النهائية ، دونما إرباك او تعثر ، فالحمد والشكر لله عزّ وجل ، فقد اشهرت النتائج مع تجاوز كل الظروف التي حملت مختلف الارهاصات والتحريضات والترهات ، إلا أن ذلك كله زال أمام إصرار وعزيمة المخلصين من أبناء تكويننا التربوي العتيد ، وفي هذا دعونا نسجل شكرنا وتقديرنا للمساعي الحثيثة والمباركة لطواقم المراقبة والمتابعة والتصحيح والفرز والرصد والاستخراج وكل من ساهم في إنجاح هذا العمل الوطني .
إن نتائج امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة لهذه الدورة مؤشر بأن الظروف المعقدة التي مررنا بها خلال جائحة كورونا كانت تشكل تحديا كبيراً ، الا ان ذلك وبفضل من الله زالت مع سلامة موثوقية الإجراءات التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم وسلامتها ، فقد عكست تلك النتائج النجاح الذي تحقق في إدارة ملف امتحان الثانوية العامة خلال هذه الأزمة ، رغم أنف الوباء ، وتجاوز الطلبة لتلك المرحلة المهمة في حياتهم ، حيث كان التباعد بين الطلبة طاغياً على المشهد ، وكانت الكمامة والقفازات وأدوات التعقيم أدوات معتادة من أدوات الطلبة الضرورية في امتحاناتهم ، لتمتد إجراءات السلامة العامة هذه إلى فرحتهم بنتائجهم ، بالرغم من حرص الطلبة وأهاليهم على اقتناص الفرحة التي غير إطلالتها لهذا العام فيروس كورونا .
اما ونحن نقرأ الأن النتائج في سياقاتها الزمانية والظرفية والعلمية ، نجدها تشير إلى أن نسبه الذين حصلوا على معدلات مرتفعة هي نسبة معقولة لا بأس بها ، وهذا يؤكد أن الاصرار على النجاح والتفوق هو حظ المجتهدين من الطلبة على اختلاف مستوياتهم العلمية ، لإحساسهم بالمسؤولية وعزمهم وتصميمهم على بلوغ أهدافهم تحقيقا لطموحاتهم برغم التحديات ، فمهما تغيرت آليات الامتحان وصعوبتة وانماطه وتوزيع علاماته سيزيد ذلك من اصراراهم على تحصيل أعلى العلامات ، مع يقينهم الراسخ أن شهادة الدراسة الثانوية العامة هي المفصل في حياتهم والمحدد لمصيرهم ، حيث تأتي في مرحلة حساسة وحرجة من حياتهم التكوينية ، فالأرقام التي صدرت لا تكذب والنسب لا تتجمل ، فقد جاءت الإحصاءات المعلنة من قبل معالي الوزير هذا اليوم لتكون بمثابة إشهار انتصار مشرف .
اننا ونحن نتفحص اليوم نتائج الامتحان لابد أن نلقي عليها نظرة تحليليه ، لتقييم الفترة الحرجة التي مررنا بها خاصة في تجربتنا في التعامل مع التجاذبات التي حدثت اثناء الامتحان ، وبصورة ستمكننا من مواجهة تحديات المستقبل ، لتكون بداية لإعادة صياغة أهدافنا التعليمية والتقييمية بصورة حضارية حديثة ومتطورة في عصر تكنولوجيا التعليم ، وهذا يدفعنا للحديث عن مراجعة جودة التعليم والتقييم في ان واحد ، ذلك هو الحديث الذي يدفع نحو مواكبة التطورات ، ما يجعل مسألة التعليم اليوم مصيرية ، حيث علينا الالتفات إلى منظومة الثانوية العامة الامتحانية بصورتها الحالية ، ومراجعتها والتحدث عن تعظيم الانجازات والثناء على الجهود الطيبة المباركة التي أعطتها الهيبة والمصداقية والعدل والمساواة وفي نفس الوقت نستطيع تشخيص الجوانب التي تحتاج الى مراجعة ، وبيان نقاط الضعف ، بحيث يمكن التعاطي معها بجدية ومسؤولية ، خاصة عند التريث في مراجعة عناصر واليات عملها ، والعقبات التي ما زالت تعترضها ، وكذلك فإننا بحاجة للتاكيد على مضمون الامتحان بعيدا عن التركيز على الجانب التحصيلي والتذكري الفكري بل وعلى القدرات والكفايات التي يجب ان تركز على المهارات بقياس الذكاءات العشر ، وكذلك الحديث عن الاتجاهات السلبية عند بعض من طلبتنا والتي توجههم نحو السير للممارسات والأساليب الدراسية الخاطئة ، كما ويجب ان نلتفت الى أسباب تدني نسب تحصيل الكثير من طلبتنا في بعض المواد الدراسية وخاصة في بعض الفروع ، واعادة النظر في آليات قبول الطلبة للتقدم لامتحان الثانوية المنزلي ( الدراسة الخاصة ) مع ضرورة الحاجة إلى قواعد بنائية تنهض بالعملية التعليمية برمتها إلى ركب الحداثة والتطور وكما اشار اليها سيد البلاد في الورقة النقاشية السابعة وتحدث عنها دولة رئيس الوزراء وأكدها معالي وزير التربية والتعليم بجدية مؤخراً .
وأخيراً .. دعوني اجدد تهنئتي لطلبتنا الأعزاء الذين فرحوا بالنجاح وأدعو للذين لم يحالفهم الحظ مراجعة حساباتهم مع أنفسهم وتخطي هذه المرحلة بمزيد من العزم والإصرار ، فلا يوجد مستحيل عند وزارة التربية متمنيا ان تخوضوا تجربة التكميلي القادمة لتكون أسماؤكم في كشوفات الناجحين باذن الله .
أعاننا الله جميعا على تحمل المسؤولية
والله ولي التوفيق