تشير الجولات الميدانية التفقدية لرئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، خلال الفترة من أيلول 2024 إلى كانون الأول 2025، إلى تحول جوهري وإيجابي في فلسفة إدارة العمل الحكومي. لم تعد الحكومة تكتفي بإصدار القرارات ومتابعتها عبر التقارير المكتوبة، بل بدأت تحويل هذه القرارات إلى متابعة فعلية على أرض الواقع، بما يعكس إدراكًا بأن النجاح في التنفيذ لا يتحقق من المكاتب، بل في الميدان حيث يعيش المواطنون حياتهم اليومية. يمثل هذا التحول نموذجًا عمليًا لفكرة «حوكمة التنفيذ»، حيث تُعتبر الجولات الميدانية أداة استراتيجية لرصد الفجوات بين القرار والتطبيق. الأثر الحقيقي للجولات يظهر في كيفية تحويل الزيارات إلى تحسين ملموس في الخدمات والبنية التحتية والمرافق العامة، مع التركيز على القطاعات الحيوية مثل الصحة، التعليم، الشباب، والإنتاج المحلي، وخصوصًا في المناطق الأقل خدمة، ما يعكس سياسة العدالة المكانية في التنمية. من منظور تحليلي، تحمل هذه الجولات بعدًا سياسيًا وإداريًا إيجابيًا في الوقت نفسه. فالتشغيل التجريبي لمستشفى الأميرة بسمة في إربد، بعد سنوات من التأخير، ليس مجرد إنجاز خدمياً، بل رسالة واضحة بأن المشاريع المتعثرة ستتم متابعتها وتحريكها نحو الإنجاز. كما أن التدخلات في مراكز الرعاية الاجتماعية والمدارس تعكس قدرة الحكومة على تقليص الفجوة بين السياسات والأثر الفعلي على حياة المواطنين، خصوصًا الفئات الأكثر حاجة. وفي ملف الشباب والتدريب المهني، لم تقتصر المبادرات على تطوير البنية التحتية للمعاهد والمراكز، بل تم ربط التدريب بفرص الإنتاج والعمل، مما يعكس فهمًا عميقًا بأن التنمية المستدامة تتطلب دمج التعليم والمهارات بسوق العمل المحلي. وفي الوقت نفسه، تُظهر هذه الخطوة وعيًا بأهمية الشراكة بين القطاعين العام والمجتمعي لضمان استدامة المبادرات وتعظيم أثرها. الجانب الاقتصادي للجولات أيضًا كان إيجابيًا وملموسًا، إذ أن التدخلات في الإنتاج الزراعي والصناعي والمواقع السياحية لم تقتصر على تحسين الخدمات أو استقطاب الزوار، بل ساهمت في تحفيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص اقتصادية متكاملة في المناطق الأقل استثمارًا، ما يعزز الربط بين التنمية والخدمات الاقتصادية. إجمالًا، يمكن النظر إلى هذه الجولات كاختبار ناجح لنموذج حكومة قريبة من المواطن، قائمة على المتابعة والتقييم المستمرين، وليست مجرد إصدار للقرارات. الأرقام تدعم هذا التحليل: فقد غطت الجولات130 موقعًا في جميع محافظات المملكة، وأسفرت عن 308 إجراءات حكومية في مختلف القطاعات، تم إنجاز195 منها حتى الآن، مما يؤكد جدية الحكومة في تحويل القرار إلى أثر ملموس. التحدي المقبل هو تحويل هذا النموذج إلى سياسة مستدامة طويلة الأمد، بحيث تصبح المتابعة الميدانية جزءًا ثابتًا من أسلوب العمل الحكومي، لتكون الجولات قاعدة عملية لتحسين الخدمات وتعزيز الثقة بين الحكومة والمواطن.