المرحلة الثانية نزع سلاح حماس

إن لم تنزعوا السلاح، سننزع سلاحكم سريعًا وربما بعنف - ترامب.

يتحدّث مجرم الحرب نتن ياهو لأول مرة عن الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب لإحلال السلام في غزة، ولا شكّ أن هذا الإعلان لم يأتِ إلا بضغط مباشر من ترامب .

ستكون المرحلة الأولى من خطة ترامب، التي تضمنت تبادل الأسرى، مجرّد نزهة مقارنةً بالمرحلة الثانية التي تنص على أن تسلّم حماس سلاحها، وأن تُحلّ جناحها العسكري، وتُفكَّك قواتها، مع تدمير قدراتها التصنيعية للسلاح. وسيعاني الغزيون في هذه المرحلة أكثر بكثير مما عانوه في المرحلة الأولى، إذ سيواصل الكيان قتل المدنيين، وتجويعهم، ومحاصرتهم، واستهداف منازلهم، ليظلّ الكابوس جاثمًا على صدر غزة بلا هوادة.

على الرغم من تصريحات القادة الصهاينة بانتصارهم في الحرب على غزة، فإنّ حماس لا ترى نفسها مهزومة، بل تعتبر أنها خرجت منتصرة من هذه المجزرة. ولهذا سيكون من الصعب إقناعها بتسليم سلاحها، فقبولها بذلك يعني استسلامًا صريحًا، والأخطر منه أنه يُعدّ تخلّيًا عن عقيدتها القائمة على المقاومة، وهو ما يعني نهاية وجودها فعليًا   وهي تدرك ذلك جيدًا.

إن تسليم مقاتلي حماس لسلاحهم سيقود إلى فوضى، تمامًا كما حدث في العراق عقب حلّ الجيش العراقي؛ حيث ستتفكك القوة المركزية إلى مجموعات مسلّحة متعددة لا تنتج استقرارًا ولا أمناً. وينطبق ذلك أيضًا على سياسة ما يسمونه «التجفيف المادي»، فهي لن تُنهي الحركة، بل ستخلق انقسامات كبيرة، ليجد الجميع أنفسهم أمام عشرات التنظيمات المسلّحة بدل التعامل مع تنظيم واحد.

تنصّ الخطة على منح العفو لمن يلتزم بالتعايش السلمي، وعلى دمج المقاتلين المعتزلين في وظائف الإسعاف، وإعادة الإعمار، والدفاع المدني، والخدمات الاجتماعية. لكن هنا تبرز مشكلتان أساسيتان: الأولى أنّ بعض هؤلاء مطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب، أما الثانية فهي التساؤل عمّا إذا كان من قاتل لسنوات، ويرى نفسه مجاهدًا مدفوعًا بعقيدة راسخة، قادرًا على العودة إلى حياة مدنية عادية؟

يدرك الكيان الصهيوني أن حماس تتمتع بحاضنة شعبية واسعة تدعمها وتمنحها القدرة على الصمود، لذلك كان الهدف في المرحلة الأولى من الإبادة هو استخدام القوة الساحقة وجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة، عبر تدمير البنية الاجتماعية التي تُغذّي المقاومة وتثبت وجودها. فحماس تستمد قوّتها من المجتمع، وإذا تمّ تفكيك المجتمع وتدميره ستتصدّع المقاومة بدورها.

وقد استند هذا النهج إلى عقيدة سابقة استخدمت في مدينة دريسدن الألمانية عام 1945، حين مُورس قصف مفرط يهدف إلى تحطيم المدنيين نفسيًّا أكثر من هزيمة الجيش ذاته، تمهيدًا للاستسلام الكامل وغير المشروط. وهو المنطق ذاته الذي تكرّر بصورة أكثر وحشية في هيروشيما وناغازاكي، حيث أحدثت الصدمة الهائلة انهيارًا مطلقًا انتهى باستسلامٍ تام.

لكنّ الغزيين لم يستسلموا ولم ينكسروا، بل رأوا أنفسهم منتصرين رغم المأساة. ورغم اختلافهم في قضايا كثيرة، فإنهم يتفقون على أمر واحد: عدم تسليم حماس لسلاحها.

وتأتي المرحلة الثانية في محاولة جديدة لكسر الحاضنة الشعبية لحماس عبر نزع سلاحها، مع ربط إعادة الإعمار بتسليم هذا السلاح. ويبدو أن هذا الطرح قد يكون إحدى نتائج لقاء نتن ياهو بترامب.

وأمام هذا المشهد، ستتردد كثير من الدول العربية في المشاركة ضمن قوة دولية في غزة، فهي لا ترغب في أن يُوجَّه سلاحها نحو الغزيين، ولا أن تجد نفسها داخل نفق مظلم من العنف المسلّح.

في المرحلة الثانية سيضغط ترامب ونتن ياهو بشدة لنزع سلاح المقاومة، مع إدراكهما المسبق لصعوبة تحقيق ذلك. ولهذا نرى الكيان الصهيوني يعتبر الخط الأصفر حدوده الجديدة مع غزة، محتلاً ما يقارب 60% من مساحتها، على أمل أن تنزلق غزة إلى اقتتال داخلي يخدم مصالحه ويُضعف المقاومة من الداخل.

من الصعب العودة مجددًا إلى حرب كبرى، فالمزاج العالمي لم يعد يسمح بها. ولذلك قد نشهد تباطؤًا في عملية إعادة الإعمار، وحصارًا خانقًا، واستهدافا للمدنيين، واستمرارًا في هدم المنازل، فيما تبقى المقاومة تتهيّأ لمواجهة قادمة .

وما ينطبق على حماس ينطبق على حزب الل