الملكة.. حين تخاطب الشباب

يحتاج الشباب لغة خاصة في مخاطبتهم، ورؤى مختلفة بطابع مقنع، يحتاجون الحقيقة كاملة بلغة بيضاء قريبة مقنعة، تمنح أفكارهم اتجاهات واضحة نحو يقين المعرفة، وتوجه بوصلة توجهاتهم لما هو لصالحهم ووفقا لطموحهم، بواقعية ووضوح، وشفافية، هي معادلة متشابكة تحتاج عبقرية الطرح ونموذجية الأدوات.
جلالة الملكة رانيا العبدالله، حين خاطبت خلال كلمتها أمس الأول في افتتاح قمة «عالم شاب واحد» السنوية التي أقيمت هذا العام في ميونخ، جمهورا ضم حوالي 5 آلاف شاب وشابة من أكثر من 190 دولة، استمع لها المشاركون بكل اهتمام، وثقة بخطاب تضمن الحقيقة بل الحقائق كاملة، بوضوح ولغة بيضاء، تحدثت جلالتها عن واقع الحال في غزة اليوم وقبل عامين، تحدثت جلالتها عن الكراهية التي لا يمكنها أن تتقدم دون حليفها الصامت وهو اللامبالاة، تحدثت عن الحقيقة الواضحة للكراهية عندما تتحول من شعور إلى كلمات ومنها لأفعال، تحدثت بشجاعة القول وعظمة الموقف في أعقاب هجمات السابع من تشرين الأول، «عندما أعلن مسؤول إسرائيلي حصاراً تاماً على غزة، وصف السكان بأنهم «حيوانات بشرية»، كان يسير وفق نهج قديم مجرب: أقنع الجمهور بأنك تتعامل مع وحوش، فلا يصبح العنف مقبولاً فحسب، بل ضروريا»، تحدثت جلالتها عن التقاعس واللامبالاة حيث أوصلا غزة للكثير من الفظائع، وعن توسّع الكراهية وتجددها بأسماء متعددة.
تحدثت جلالة الملكة في كلمتها في افتتاح قمة «عالم شاب واحد»، عن تفاصيل هامة شملت كافة قضايا المرحلة، والحرب على الأهل في غزة، في مقاربات عبقرية من جلالتها، صاغت الحقائق بنموذجية استثنائية، وبخطاب وصل للشباب بصيغة استثنائية، ومقنعة، ومعرفة شاملة جمعت الحقيقة بالمعلومة، واضعة أمام شباب العالم حقيقة الحرب على غزة، بصورة حقيقية، وأنها جاءت نتيجة لحقائق واضحة، أبرزها «التقاعس، واللامبالاة»، علاوة على ما وضعته جلالتها أمام عيون وفكر الشباب من حقائق عن غزة بعد الحرب، من إبادة وتشريد ومجاعة، بتأكيد من جلالتها أن العالم رأى ذلك قادما «لكنه أخفق في التحرك لمنعه».
لم تكن كلمات عادية التي تحدثت بها جلالة الملكة رانيا في افتتاح قمة «عالم شاب واحد»، إنما رؤية متكاملة جمعت بين الحقائق كاملة، وواقع الحال بشفافية، وموقف واضح، ومكاشفة وضعت الشباب بصورة ما نتج عن حرب غزة، ليس لغزة وحدها، إنما للعالم حيث قالت جلالتها «إن التقاعس واللامبالاة من قبل العالم لم يؤديا إلى وقوع الفظائع في غزة فقط بل ساهما في تجدد الكراهية عالميا»، وقالت جلالتها «الأمر ليس مقتصراً على غزة فقط، ففي جميع أنحاء العالم، نرى الكراهية تتسلل مجدداً إلى أسس مجتمعنا العالمي، وليس الخطر فيما تدمره الكراهية فقط، بل لما تعيد تشكيله في بوصلتنا الأخلاقية، وإحساسنا بالإنسانية»، هي الحقيقة كاملة، رغم محاولة الكثيرين إدارة عين اهتمامهم عنها، نعم، هذا ما لحق بالعالم خلال العامين الماضيين، ليس بغزة وحدها، لكنها الملكة رانيا تضعها حقيقة كاملة على أهم منبر دولي، وأمام عقول شبابية تبحث عن وجهة عملية لبوصلة قناعاتهم، لتديرها اليوم لجهة ما قالته جلالة الملكة وما وضعته أمام أعينهم وفكرهم.
وفي إشارة بدلالات عميقة، تحدثت جلالة الملكة رانيا عما بعد انتهاء الحرب على غزة، وقالت جلالتها «مهمة إعادة البناء الهائلة ما زالت تنتظر، والاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لفلسطين ما يزال مستمراً، وما يزال قمع الشعب الفلسطيني متواصلاً، وما يزال التوصل إلى حل عادل لهذا النزاع الذي امتد لعقود، للفلسطينيين والإسرائيليين، صعب المنال»، بذلك تكشف جلالتها عن حقيقة أخرى يتعمد البعض عدم رؤيتها، بداية بقول جلالتها احتلال غير شرعي لفلسطين، إضافة لاستمرار إسرائيل بقمع الشعب الفلسطيني، وبأن التوصل لحل عادل ما يزال صعب المنال، صيغة عظيمة لكل ما يحدث في فلسطين، بوضوح وشفافية، تجمع الحقيقة كاملة.
الملكة رانيا.. حين تخاطب الشباب، بلغة تحمل عمق الموقف.