الهبة الشعبية البريطانية المناهضة لإسرائيل وممارساتها، والمؤيدة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة مذهلة، وفارقة تاريخية تستحق الوقوف والتوقف، وما رأته العين للتظاهرة الحاشدة في مدينة ليفربول البريطانية يوم أمس يؤكد أن الشعب البريطاني من كافة منابته وأصوله خرج مجدداً للتعبير عن غضبه مطالباً حكومة ستارمر بمقاطعة إسرائيل، فقد حملت المظاهرات شعاراً واضحاً صريحاً: Boycott israel قاطعوا إسرائيل.
اعتبر المتظاهرون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة جاءت متأخرة، وما زالت المطالب تزداد ويرتفع سقفها، والمطلوب الآن وقف حرب الإبادة، ومقاطعة إسرائيل اقتصادياً وتجارياً، ووقف كافة أشكال التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية، ووقف إمداد إسرائيل بالسلاح، والأهم هو مطالبة المتظاهرين لحكومتهم بضرورة فرض عقوبات على إسرائيل والقبض على نتنياهو لتسليمه إلى محكمة الجنايات الدولية إذا عبر إلى بريطانيا، أو حلقت طائرته فوق أجواء المملكة المتحدة.
وبشكل عام فإن التظاهرات التي عمت شوارع مدن الغرب على مدى الأشهر الماضية، وتحرك الأجيال الجديدة والشابة، ظاهرة جديدة تستحق الدراسة، ويتوجب اغتنامها لزيادة درجة الوعي لدى الفئات الشابة بالحقيقة الفلسطينية، وتدمير الصور الكاذبة للسردية الإسرائيلية التي لاقت قبولاً لدى فئات كثيرة من الجيل الذي أصبح عجوزاً الآن، ذلك الجيل الذي تعاطف مع فكرة المظلومية للشعب اليهودي، وتعرّض إلى حكايات الهولوكوست التي يختلط فيها الغث بالسمين، والحقيقة بالكذب، والواقع بالأسطورة.
لم يعد الجيل الجديد في العالم ينصت إلى مسلّمات سرديات الماضي، وبات أكثر إنسانية وموضوعية، وأكثر قدرة على البحث عن الحقيقة، وأكثر إنصافاً للشعب الفلسطيني، وليس فقط فئة الشباب، ولكن حتى كبار السن من النساء والرجال، وإسرائيل أصبحت معزولة بعيدة عن التأثير في هذه العقول التي ما عادت تقبل ما قبله غيرها في الماضي، ولم تعد إسرائيل تلك الدولة الديمقراطية التي كان العالم يظن أنها ربما تكون كذلك، حتى اكتشف أنها دولة مارقة قاتلة ظالمة، ودولة احتلال قامت على هضم حقوق أصحاب الأرض وتهجيرهم، وقتلهم، وكانت غزة شاهد العيان بالصوت والصورة على مرآى من كل سكان الأرض.
إن ما يحدث من تغيرات في الغرب - شعبياً على الأقل – يجب البناء عليه، واستثماره في زيادة الوعي وتمكين هذه الشرائح المنصفة أن لا تتوقف عن الحراك، وأن يتم دعم قادتها، والأهم هو بناء حوار مستدام مع هذه الطبقات التي تعد زخماً مؤيداً ومؤثراً على حكومات الغرب وأصحاب القرار.