الأجيال لا تنسى والتاريخ لا يرحم

كيف يتصرف رجالات الدولة؟ الإجابة معروفة سلفاً، يتصرفون بمنطق الدولة التي منحتهم شرف خدمة الأردنيين، ‏هل يفعلون ذلك؟ أترك الإجابة لهم أولاً، وللقارئ الكريم ثانياً، وللتاريخ أيضاً.
‏للتذكير فقط، على مدى العامين المنصرفين، ‏احتدت النقاشات العامة في بلدنا، كان الأردنيون يتحدثون مع أنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي وفي صالوناتهم، تعرضنا لمطبات عديدة، وواجهنا لحظات صعبة، رجالات الدولة (معظمهم :أدق) غابوا عن المشهد السياسي، وحتى حين حضر بعضهم افتقد الحكمة، واستغرق في الشخصنة، وعزف عن قول الصواب، أرجو أن لا يقول أحد : تم تغييبهم، أو لم يجدوا من يستدعيهم، رجالات الدولة الحقيقيون لا يختفون، ولا يهربون، ولا ينتظرون استدعاء، من يفعل ذلك لا يستحق هذا الاسم.
‏للتذكير أيضاً، شهدنا خلال الأسبوعين الماضيين واقعتين لافتتين، الأولى أعادتنا الى البيانات الثورية التي كانت تصدر إبان عهد الانقلابات والأحزاب السرية والتنظيمات المسلحة، فيما قدمت الثانية صورة عن (حفاري القبور)، الواقعتان ربما جاءتا في سياق تسديد الفواتير السياسية، التوقيت لم يكن مناسباً، ومن ركبا صهوة الحديث محسوبان على رجالات الدولة، الماضي كان حاضراً بدلاً عن الواقع وما يزدحم به من تحولات وأخطار، لا مصلحة للدولة أبداً فيما ذُكر، هذا أقل ما يمكن أن نسجله هنا.
‏أفهم، تماماً، أن يفكر البعض بمنطق الانتهازية السياسية حين تكون الدولة في حالة استرخاء (قمرة وربيع)، أفهم، أيضاً، أن يحرد بعض المسؤولين أو أن يمارسوا عملية الكيد السياسي فيما بينهم، لكن ما لا أفهمه، ولا يقبله الأردنيون، أن تتحول هذه الانتهازية والكيد إلى ذخيرة ضد الدولة، وفي هذه المرحلة الخطيرة بالذات، ثم أن تصبح حسابات الغنيمة هي الفيصل، أو أن تكون (وأنا مالي؟) هي الإجابة التي تتردد على ألسنة الجميع.
‏من أولى أن يقف مع الدولة في أوقاتها الصعبة وأزماتها؟ هؤلاء الذين (تبرطعوا) في خيراتها وامتيازاتها، ام الذي دفعوا أعمارهم بانتظار أن ينالوا أقل حقوقهم وربما لم ينالوها؟ من يوجه بوصله النقاش العام، ويكون بمثابة الرأس لقيادة الجسد الاجتماعي الذي يتعرض لأسوأ موجات الطعن والتشكيك، إذا استقال او انسحب من هذه المهمة الذين كرمتهم الدولة وبوأتهم أعلى المواقع؟ أكيد، هذا الفراغ الذي تركوه سيملؤه آخرون، يتسللون من الداخل والخارج، ولا يحملون إلا بضائع الفوضى والخراب.
‏في بلدنا، عقلاء كثيرون نعرفهم ونقدرهم، وفيه، أيضاً، قناصو فرص، وركاب مطايا وعابرو سبيل، أكيد التاريخ يسجل لهؤلاء وهؤلاء مواقفهم، ذاكرتنا الوطنية ما زالت تحمل أسماء من وقفوا مع دولتهم وقيادتهم، وما زالت أجيالنا تلعن من قفزوا من فوق المركب ساعة العسرة، الأجيال لا تنسى والتاريخ لا يرحم. وفي كل الحالات بقي الأردن صامداً لم يتزعزع عن كبريائه وكرامته، وسيبقى، بعون الله، كما كان، بهمة الأردنيين وعزيمتهم.