مثل غيوم ندية يسرحون على صفحات الصبح والمسرات، يسرحون عابقين بثيابهم الجديدة المكوية، وحقائب تتهادى كهوادج على دفات الظهور، وأمهات يقفن بخوف على حرف الشارع يلهجن بالدعاء. فكم يفرحني جيشنا الجرار حين يعود إلى ميادينه. أهلاً بالمدارس. تبهجني لذعة الزعتر في سندويشاتهم الصغيرة. ويفرحني شعر محزوم كذيل فرس جموح يلوح لبنت هرعت لصديقاتها في أول الملعب. وتبهجني أكثر، روؤس لامعة بالجل كنجوم حطت أرضاً، وترويني مطرة الماء المثلوج، تدمع بيد طفل يتعلق بأبيه على بوابة مدرسة صاخبة. في كل عودة مدارس تتلبسني رائحة كتبي الأولى فتعن على بالي، وتغمرني بذكراها وصورها حتى النخاع. مع كل دندنة للجرس أستعيد يومي المدرسي الأول. فهل تنسى أيها الخمسيني كتبك الملونة تعبق بحقيبة حمراء على ظهرك الصغير، فتتمايل بها كمحارب تعبان عاد مع غبار المعركة، لكنك تستقيم كفارس عندما تصل حوش الدار، وتنادي أمك بصوت مسموع، كي تعرف بنت الجيران إنك عدت، وأن طالب الروضة صار في المدرسة الآن، وليس مثلها، ظلت قطًة في دفء البيت. ولن تنسى صورتك في الطابور بعد الجرس الأول? وأنت تتأكد كل حين بيدك الصغيرة، من شاليشك الجميل اللامع (مفرق الشعر)، فتأمرك المعلمة أن تقف مستقيماً، في هذا الخط الطويل المبعوج، فلا يعجبك كلامها؛ فتنال ركلة خفيفة على مؤخرتك، ما زلت تتلمسها حتى الآن. ويا أيها الخمسيني، قد تنسى يومك الأول في العمل أو في الكتابة، ولن يغيب من بالك بكاؤك المفتعل، حين تركت أمك يدك المعرقة، فبكيت أو تباكيت ولم تسكت، إلا عندما ضاعفت لك المصروف؟ وهل تنسى ضحك الأولاد الذي يشبه مقاقاة الدجاج المفزوع، إذ الولد السمين يبلُل بنطاله حتى كعب حذائه، عندما خوفته المعلمة بغرفة الفئران؟. وهل تنسى نومك بحذائك الضيق الجديد؛ كي يطلع نهار المدرسة باكراً كصباح العيد؟ فلو أنك تحيا العمرين، فلن تنسى يومك الأول في مدرستك الأولى، فوردة لكل أبنائنا المتحمسين لخوض معركتنا الكبرى ضد الجهل، الذين يماشون أحلامهم البكر في يومهم الدراسي الجديد مدججين بعنفوان لا يلين. ووردة لمعلميهم ومعلماتهم، ووردة لكل الأمهات والآباء.