شتوة آب وما صاحبها

يبدو انه كان في خلد الفنان اللطيف وائل كفوري ان تساقط المطر في شهر آب هو من المستحيلات عندما أدى اغنيته المشهورة معقول تشتي في آب في تسعينات القرن الماضي، حيث كانت هذه الشتوة بمثابة المستحيل الرابع له الى جانب مستحيلات العرب الثلاث الاخرى المتمثلة بالغول والعنقاء والخل الوفي، والآن وبعد ان رأينا تساقط الامطار في هذا الشهر والذي كان غزيراً وشكل سيول جارفة في بعض مناطق المملكة ندرك جيداً ان آبنا هذا  يؤكد غرائب ايضاً في مستويات كثيرة تتجاوز في معانيها أمطاره وان لم يذكرها كفوري او غيره من فنانين العصر كمستحيلات الحدوث.
فعلى الرغم من تحذير الجهات المعنية من احتمالية تساقط الامطار المصاحبة للحرارة الشديدة والرياح المغبرة، وهو الامر الذي يسبب الحوادث الصحية والمرورية نتيجة حالات الاختناق والربو وانزلاق المركبات على الطرق بسبب الغبار المبلول، كان التهافت على الخروج والتصوير من البعض بمثابة اصرار على البحث عن المتاعب واشغال الجهات المعنية عن حالات هي اكثر اولوية، عموماً البعض يفكر في اللحظة وتحقيق «الشوو» بعيداً عن التفكير عن العواقب وهولاء البعض نراهم في كل المواقف المشابهة وهو الامر الذي يستوجب الدور التوعوي للإعلام والاسرة والمجتمع عموماً فضلاً عن تفعيل البنود القانونية التي تتعامل مع هذه المواقف.
ومع شتوة آب الحالية تتعمق المفارقة الاخلاقية الدولية باستمرار مأساة ابادة الاطفال والنساء القائمة في غزة على يد الجيش الذي يتبجح دوما انه الاكثر اخلاقية، مأساة قاربت على عامين على مرأى العالم المتحضر بقوانينه وهيئاته ونظمه الذي صرع الرؤوس على مدى عشرات السنيين وهو يتبجح بالمحافظة على حياة الانسان وكرامته، وثبت ان هذا العالم المتحضر يغدو خجول بلا حس له ولا احساس عندما يكون الجاني اسرائيلياً وتصبح منظومة قوانينه ومثله عاجزة عن اجبار الجاني على وقف اجرامه، وفي آبنا هذا ايضاً تعمق فصل من فصل الاجرام القائم في غزة باستهداف الصحفيين حتى لا يكونوا شهوداً على ما يزمع من مخططات تجري حول احتلال القطاع وما يصاحبه  لاستمرار الابادة  وتعميقها، فمن آمن العقاب اساء التصرف خاصة مع عدو يتوقف فقط عند خسائره بعيداً عن أي شيء اخر.
آب اللهاب في شهرنا هذا لا ينطبق عظم لهبه بالحرارة الشديدة التي تصاحبه فقط، بل بأحداثه ومفارقاته فهو في موروثنا الشعبي الاردني يسمى فحل القيظ كناية عن كونه اطول فصول الصيف واشدها حرارة فضلاً انه الشهر الزوجي الاول الذي تنقلب فيه المعادلة السنوية بكثرة عدد ايام الاشهر الفردية، ومن كل ذلك كنت خصوصيته بمفارقاته سيما انه لم ينتصف بعد ولا نعلم ما يخبأه لنا نصفه الثاني، اللهم اجعله خيراً كخير آب نفسه الذي قالت فيه العرب ايضاً ان تأكل العنب والتين دون ان تهاب كناية عن لذة نضجه.