أكثر ما يثيرني، ويسعدني بلا شك، حتى وإن كانت سعادة طبيعية ومؤقتة، هو وصول صواريخ إيران إلى أراضي فلسطين المحتلة، لكنني لا أشعر بأية مقاجأة بالنسبة للصراع الدائر، فهو مرحلة طبيعية سبقتها مقدمات وأسباب كثيرة.. ودعونا نتحدث بمنطق وموضوعية بعيدا عن السذاجة، التي تعيش بدورهل عصرها الذهبي.. وتطغى على كل عقلاني ومألوف.
لا أحد يفكر بطريقة طبيعية، ولا تقوده استنتاجاته إلى حتمية المواجهة بين إيران والصهيونية العالمية، التي تعتبر إسرائيل ذراعها في منطقتنا، وكانت إيران قد نجحت في التفلت من هذه المواجهة، التي انطلقت فعلا منذ مجيء الخميني من «فرنسا»، وأعلن ثورته الإسلامية بنسختها الفارسية، وكانت أول مراحل هذا الصراع، بحرب عراقية (عربية أوروبية)، ضد إيران، وكانت تمرينا لكلا الطرفين المتصارعين خرجا منها أكثر قوة وخطرا، لكنه أيضا تطور مرصود، دفع «الأحلاف» لتحييد القوة العراقية الواعدة، والانطلاق بعملية سلام، حققت للصهيونية نتائج أفضل مما تحققه أية معارك أو حروب عسكرية.. وكانت إيران تعرف يقينا بأن دورها سيأتي، ففعلت كل شيء لإبعاد الحرائق والحروب عن أرضها، ونجحت كل الوقت الماضي، وامتدت أذرعها للخارج، واستخدمت «كل شيء» عربي، كدرع، لحمايتها، ومنحها الوقت لبناء قوة ما، تحضيرا لما تؤمن بأنه سيكون مواجهة حتمية، بعد اختفاء القوى العربية التي من الممكن ان تجابه المد الصهيوني، وخروجها من الساحة، وكانت (7 أكتوبر)، صافرة البداية لهذه المرحلة من المواجهة، وأصبحنا اليوم نعيش «سويعات» هذه المواجهة، التي لن تطول، وستتمخض عن «شرق أوسط جديد»، ليس للضعفاء والمتخلفين فيه مكان، سوى مكانهم الطبيعي، فهم الضحايا الطبيعيون، في عالم تحكمه القوة المتغطرسة.
لا شيء مطلوبا من العرب، ومنا في الأردن، سوى حماية مكتسباتنا وأنفسنا، وعدم الانزلاق إلى أتون هذا الصراع المرسوم سلفا، والمعروفة نتائجه.. فنحن لم نشعر يوما بالطمأنينة ولا بالاستقرار فعلا، بوجود كل هذه الصراعات، وكنا نتحمل عبئا في كل مرة، ونخسر وكأننا طرف في هذه اللعبة المجنونة الخبيثة، وصمدنا (نحن الوحيدون الذين صمدوا)، ولم نتغير او نتنازل او نرتد عن مبادئنا، رغم كل خساراتنا المجانية الظالمة..
في الواقع لا تهمنا كثيرا نتائج هذه الجولة من الصراع بين الأضداد، إلا المتعلقة بأراضينا وحقوقنا ومصالحنا، وفي الواقع لا مجال أو احتمال لخطر يهددنا، سوى ان ننزلق لمغامرة او حماقة، تهدد أمننا الداخلي، ووحدة جبهتنا، لانها ستكون الذريعة والفرصة التي تنتظرها قوى خبيثة كثيرة..
هذه الحرب محسومة مهما طالت او قصرت، ونحن باقون على العهد والعقل والحكمة و»نظافة اليد والبلد».
صدقوا او لا تصدقوا، لا شيء مثير ولا غريب ولا مفاجئ، في زمن لم تدهشنا رداءته وسخافته وانحطاطه..
بلدنا وبيتنا وأهلنا.. هم الأكثر أهمية، وأولوية، وكلها حروب لم نشارك في أي منها، ودفعنا بسببها أثمانا باهظة.