في مواجهة الطوفان الجديد

ثمة من يحاولون صرف الأنظار عمّا آلت إليه الأوضاع الخطيرة في المنطقة وتداعياتها الكارثية إلى إشغال الرأي العام الأردني واستهدافه بالشائعات والأكاذيب والأخبار المضللة.
ما نتابعه على وسائل التواصل الاجتماعي يثبت مرة أخرى أن المجتمع الأردني في غالبيته العظمى يدرك تمام الإدراك أن المسألة ليست عفوية، لذا فإن الأردنيين يردّون بفخر دفاعًا عن وطنهم وقيادتهم وجيشهم ومؤسساتهم ومنجزاتهم.
أثبت الأردنيون من شتى أصولهم ومنابتهم وميولهم، فيما عدا فئة قليلة منهم لديها طموحات أو إحباطات أو أجندات غير وطنية، أنهم ينتمون بإيمان عميق لوطنهم وأمنه واستقراره، والربيع العربي الذي أطاح أنظمة واقتصادات وأشاع الفوضى والتناحر خير دليل على الصمود الأردني والصبر الأردني.
يشعر الأردنيون بظلم ذوي القربى، مثلما يشعرون بعدوانية المحتل الذي يستهدف وحدتهم وتماسكهم. يلتقي الطرفان على محاولة إضعاف دورنا وتهديد تماسكنا واستقرارنا.
لم يختر الأردن ولم يُستشر في قرارات الحروب ولا في مواقيتها، ولم يكن جزءًا من تحالفات أو مؤامرات لإيذاء أي شقيق.
صبرنا على الأزمة السورية 14 عامًا، لقينا فيها من الأذى ما لا تتحمّله دول أقوى منا اقتصاديًا، وتحملنا الكثير جراء أزمات المنطقة الأخرى. قبل كل ذلك وبعده، فإن الأردن يقوم بواجبه منذ ثمانية عقود في الدفاع عن القضية الأولى والأقدس، وهي القضية الفلسطينية ومقاومة الظلم الأقسى الذي تعرض له الأشقاء الفلسطينيون ولا يزالون.
علينا جميعًا أن ندرك أن المنطقة تغيرت، وأن آثار هذا التغيير ستمتد لعقود. تبدلت المواقف، وربما الخرائط والتحالفات وطموحات النفوذ.
أدان الأردن العدوان الإسرائيلي على إيران. إسرائيل بحكومتها اليمينية المتطرفة تقود المنطقة إلى مستقبل رهيب، والإسرائيليون، يمينًا ويسارًا، حكومة ومعارضة، وقفوا صفًا واحدًا مؤيدين ضرب إيران.
إيران لم تكن شقيقًا رحيمًا أيضًا. إيران، الدولة الجارة المسلمة، موّلت دولًا وأحزابًا وتنظيمات، وشنّت حروبًا بالوكالة. شنّت هي وأذرعها حملات إعلامية كذلك عبر مختلف الوسائل تُشكك بمواقف الآخرين في المنطقة، بما فيها مواقفنا إزاء ما جرى.
باختصار، نحن ضد هذه الحرب، ضد العدوان الإسرائيلي وطموحات نتنياهو. لكن نتنياهو يتمتع بغطاء سياسي أميركي عندما يتعلق الأمر بتدمير غزة والقضاء على الفلسطينيين وحقوقهم، وبغطاء غربي كامل عندما يتعلق الأمر بالعدوان على إيران.
المعادلة واضحة: عندما يمسّ أحد بإسرائيل يبادر الغرب بوصفها «معاداة السامية»، وعندما تبدأ إسرائيل عدوانها على أي بلد يسمّونها «دفاعًا عن النفس». هذا هو الواقع ببساطة.
نعود إلى الحديث عن موقفنا والحملات التي تستهدفنا في هذه الأيام لنقول وبكل وضوح: نحن ضد العدوان الإسرائيلي على إيران، وليس من مصلحتنا أن تخسر إيران الحرب لئلا يحقق نتنياهو طموحاته اللامحدودة.
نريد منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، لكن إسرائيل التي تمتلك أسلحة الدمار الشامل، وبدعم غربي كامل، لا تريد لغيرها أن يمتلك مثل هذه الأسلحة في المنطقة، ما يجعل عدوانها ومبرراته خالية من أي شرعية قانونية وأخلاقية.
غير أننا قبل كل شيء وبعده، فنحن مع وطننا، مع الحفاظ على أمننا واستقرارنا وكرامتنا الوطنية.
أوضح جلالة الملك منذ البداية أننا لن نكون ساحة حرب لأحد، وسندافع عن وطننا بكل حزم.
سؤال طرحه بخبث بعض الحاقدين والحاسدين، وردده بعض آخر عن علم أو عن جهل: لماذا نتصدى لبعض الأجسام الطائرة التي تنتهك أجواءنا؟
جاء الرد من إيدون عندما سقطت أجزاء من صاروخ أصابت ثلاثة من أبنائنا. ماذا لو سقطت صواريخ على مدننا المزدحمة؟ هل سنلوم قواتنا المسلحة: لِمَ لم تحمِنا؟