جولة أخرى من الصراعات الدولية في منطقتنا، التي لا يكون الأردن طرفا فيها، لكنه يدفع ثمنا على المدى القريب والبعيد، وكأنه طرف مشارك وله حساباته.. كل الحروب والصراعات والنزاعات، حتى الأهلية منها، تلقي بظلال ثقيلة على الاقتصاد والأمن والدور السياسي الأردني، وقد مر وقت على الأردن، كانت فيه كل حدوده البرية مغلقة بنسبة تزيد عن 70%، بسبب صراعات وأحداث في الجوار من كل الجهات، حصار غير معلن!.. وعلى الصعيد الأمني في الساحة الجغرافية والشعبية الأردنية، تحاول الأطراف المتصارعة في كل مرة، زراعة عملائها وعصاباتها «الموازية»، ومتطرفيها وتجار سلاحها ومخدراتها، وجواسيسها، وتستحوذ هذه المحاولات العدوانية على جل جهود الأجهزة الأمنية الأردنية.. وعلى الصعيد السياسي أيضا، تتعرض الحكومات الأردنية ومع نشوب أي صراع في الجوار، لضغوط دولية، للقيام بدور منحاز مع تلك الجهات، إلا ان جلالة الملك والحكومات معه، يقاومون هذه الضغوط، التي تحتاج الكثير من الجهود الديبلوماسية والمناورات السياسية الأردنية، وغالبا ما يكون الحل الأكثر توافقا مع المواقف والثناعات والمبادئ الأردنية، هو المتعلق بالجانب الإنساني، فتكون هناك موجات لجوء جديدة، تفعل في الأردن فعلها.. وكأن هؤلاء اللاجئين مواطنون أردنيون خسروا بيوتهم.. فتتعاظم الأزمات المتعلقة بالبنى التحتية وتتكاثر بل تتناسل الازمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، ويجري تهديد الموارد الطبيعية الأردنية، حد استنزافها، كالطاقة والمياه.. تلك حقائق نعيشها دوما، ونظرا لقلة اهتمام بعضنا، او قلة انتمائه، فهي أصبحت مسلمات، وكأنها واجب ودور مفروضان على الأردن، بينما الموقف الوطني الشعبي والنخبوي الصحيح، يتطلب ان نبرز هذه الخسائر الأردنية، ونتحدث عنها، ونطالب بكل التعويضات عن الاضرار والخسائر والتحديات والازمات، التي يعيشها الأردن، وتؤثر على دولته وشعبه. في المواجهة الجارية الآن بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وإسرائيل، والتي لم نتفاجأ بها، ونعتبرها مرحلة حتمية من مراحل تطور الصراع الدولي على منطقتنا ومواردها، يقف الأردن موقفه المعروف عنه، وهو الالتزام بالقانون الدولي، وعدم اللجوء للحروب لفض النزاعات، وعدم الانخراط أو التورط بالانحياز لأي طرف، وبالطبع الالتزام بمقاومته للضغوط الدولية والإقليمية، بالتخلي عن الحياد، لكن موقف الأردن لا ولن يتغير، وهو ما تعلنه الحكومة، ويؤكده ويقوم به جلالة الملك.. يضاف إلى المواقف الأردنية موقف ربما يكون ضروريا وجديدا، ومنسجما مع طبيعة هذه الحرب، فهي حرب مقذوفات جوية، ويقع الطرف المعتدي المجرم على الحدود الأردنية الغربية، وينال نصيبا كبيرا من الكراهية الشعبية والرسمية الأردنية (هذه حقيقة لا يمكننا ان ننكرها او نتخلى عنها).. ومع هذا الواقع فالأردن هو أيضا الطرف الثالث في هذه المواجهة من حيث الخسائر، وذلك رغم حياده والتزامه بالقانون الدولي، ودعواته المستمرة لحل النزاعات بحلول سياسية سلمية، دون اللجوء للخيارات العسكرية، والجريمة. بلدنا متضرر من هذا الصراع، رغم التزامه بالحياد، ورغم تعرضه لكثير من الضغوط إلا أنه لن يسمح بأن يكون ساحة حرب لهذه الأطراف، ومع ذلك فهو يتعرض لخسائر في حرب لا تخصّه، فالقذائف تسقط على أراض أردنية، ويتضرر منها مواطنون، واقتصاد وسياحة وموارد أخرى.. لسنا ساحة حرب ولا تصفية حسابات، ولبلدنا ووطننا سيادة، وأرواح مواطنينا وممتلكاتهم مقدّسة أيضا، ومن حق كل مواطن أو حتى ضيف على الأرض الأردنية ان يطالب الحكومة بحماية حياته وممتلكاته، وحماية المجال الجوي والبري والبحري الأردني، والالتزام بالحياد، وعدم التورط بالانحياز لطرف.. وهذا ما تفعله الحكومة والمؤسسات الأردنية. لا نقول اللهم اضرب الظالم بالظالم، ولا نشمت بأحد، لكننا سنحمي أنفسنا ومصالحنا، وسنطالب هذه الأطراف بالتعويض عن أي ضرر نتعرض له، ولن نسمح لأحد بالتشكيك بموقفنا الرسمي او الشعبي، فهما منطبقان تماما على مصلحتنا الوطنية، ولن نكترث بتشكيك مشكك او عبث حاقد مريض.. لأننا وببساطة ندافع عن وطننا ومصالحه، ونحترم الجميع ولا نتدخل في شؤون أحد.