- يشكل المطبخ الأردني جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية للمملكة عبر القرون، إذ يحمل في طياته تقاليد عريقة تعكس الكرم الأردني، وتاريخاً يعبر عن أصالته. ومع ذلك، يواجه هذا التراث الغني خطر الاندثار نتيجة الحداثة وتغير أنماط استهلاك الغذاء..
تقول أم معتز، وهي سيدة أردنية في أوائل السبعينيات من العمر، لـ عمون: "فقدان الأطباق التقليدية يعني فقدان جزء من ذاكرتنا. فعلى سبيل المثال، لم تعد معظم البيوت الأردنية تستخدم الجريشة، أو البرغل، أو القلية، ولم نعد نسمع كثيراً عن الكعاكيل، والبكيلة، أو العبيطة، أو اللزاقيات، أو السليقة"، مشيرةً إلى أن المائدة الأردنية خسرت بذلك كثيراً من الفوائد الغذائية.
أما الحاج علان، البالغ من العمر 85 عاماً، فاشتكى من تغير حتى أنواع الخبز، قائلاً: "لم نعد نجد خبز العربود أو التفنوت الصحراوي، الذي كان يُباع في المحال قديماً. والله أصبحنا نشتاق لأطباق زمان".
من جهتها، قالت الحاجة محمدية، وهي أرملة في أواخر الستينيات تعيش مع ابنها: "أحياناً أشتهي أكلة عكوب أو بربرة، لكن زوجة ابني لا تعرفها". وأضافت: "حتى الحلويات تغيرت، فقد كنت أعد لأولادي المعقود، والحلاوة بالسمن، والخبيصة. واليوم أحفادي لا يعرفون هذه الأطباق ويستغربون كيف كان أهاليهم يتناولونها"؟
تعود أسباب تراجع استخدام هذه الأطباق إلى أن المنتجات المعتمدة على القمح، مثل الفريكة، والجريشة، والبرغل، التي كانت في يوم من الأيام جزءاً مركزياً من النظام الغذائي الأردني، بدأت تتراجع شعبيتها أمام بدائل أخرى أكثر توفراً أو معالجة، مثل الأرز، ويُلاحظ، على سبيل المثال، التحول من استخدام القمح إلى الأرز في إعداد المنسف، مما يدل على تغير في أنماط الاستهلاك الغذائية الأساسية.
أما بالنسبة للمنتجات القائمة على الفاكهة مثل المعقود وطبيخ العنب والخبيصة والقطين، فهي في الأصل سبل لحفظ الفاكهة لتوفيرها في غير مواسمها، وطرق الاستهلاك التقليدية آخذة بالتراجع نتيجة لتوفر المربيات المصنعة والبدائل الحديثة الأخرى. كما يُحتمل أن يكون تراجع صناعة دبس العنب والمحفوظات مرتبطاً بتغير أنماط الحياة وسهولة الحصول على المنتجات التجارية الجاهزة.
عاقل الخوالدة، مدير مديرية التراث، أكد لـ عمون، أن الموروث الغذائي يُعد جزءاً من الموروث الثقافي الأردني غير المادي، كونه يعبر عن ممارسات المجتمع في الإنتاج والتمكين الاقتصادي للأسرة والجماعات.
وأضاف أن عناصر الغذاء والمطبخ الأردني تُعد من أهم عناصر التراث المدرجة على قوائم الحصر الوطنية للمملكة، وهي جزء من خطة إجراءات الصون والمحافظة على هذه العناصر.
وتابع: "يمكن للباحثين الدخول إلى موقع المديرية ومطالعة هذه القوائم، حيث تتوفر معلومات تفصيلية عن الأطباق والمأكولات الشعبية ضمن مشاريع الحصر الوطنية..
واختتم الخوالدة حديثه بالقول إن الوزارة "تدعم، عبر المعارض والمناسبات الثقافية، إقامة أجنحة مخصصة لهذا الإرث الوطني، وقد تكللت الجهود الوطنية بتسجيل طبق المنسف على قائمة التراث الإنساني لدى اليونسكو".