محمد صبيح الزواهرة
عندما قررت حكومة بشر الخصاونة رفع الضريبة عن المركبات الكهربائية، كان القرار بمثابة استجابة عاجلة لمحاولة جلب إيرادات للدولة على حساب التحول البيئي المستدام. القرار لم يكن نتاجاً لدراسة معمقة أو نقاشات استشارية تضع مصلحة المواطن والاقتصاد الوطني في المقام الأول، بل جاء كردة فعل سريعة لتعبئة خزينة الدولة، في وقت تعاني فيه المالية العامة من عجز مستمر نتيجة سياسات اقتصادية غير مدروسة. على سبيل المثال، أظهرت بيانات وزارة المالية أن العجز في الموازنة العامة بلغ نحو 2 مليار دينار في العام 2023، مما يعكس الحاجة الماسة لزيادة الإيرادات بأي شكل، حتى وإن كان على حساب التحول نحو الطاقة النظيفة. وبذلك، أظهر القرار فهماً محدوداً لتوجهات العصر وتجاهلاً للزخم العالمي نحو الطاقة النظيفة، التي تسعى العديد من الدول لتوسيع استخدامها من خلال تقديم حوافز ضريبية لتشجيع الاستثمار في المركبات الكهربائية.
لكن ما كان أكثر استفزازاً في هذه الخطوة هو توقيت القرار. لم يكن القرار معزولاً عن السياق السياسي الراهن، بل بدا وكأن الحكومة السابقة قد أقدمت عليه لخلق مبرر لتحسين صورة الحكومة الجديدة بقيادة جعفر حسان، وكأنها تسعى لاستغلال أي فرصة لإظهار نفسها في موقع المنقذ، حتى وإن كان ذلك على حساب مصلحة المواطن البسيط. لقد كانت هذه الخطوة بمثابة محاولة لتحسين صورة الحكومة الجديدة في فترة انتقالية، وهو ما أظهر عدم وجود رؤية اقتصادية واضحة بل استجابة للضغوط السياسية. هذه الاستراتيجية السياسية تمثل إهانة حقيقية للمواطن الذي بات يشعر بأن كل قرار اقتصادي يهدف إلى تحقيق أهداف سياسية ضيقة، بدلاً من أن يكون مدروساً بعناية لخدمة مصالحه الأساسية.
وفي ظل هذا المناخ السياسي، جاء قرار مجلس الوزراء اليوم بإعادة النظر في الضريبة ليبدو في الظاهر انتصاراً للمواطن، لكنه في جوهره يعكس مجرد خطوة جزئية ضمن سياسة تتسم بالارتجالية والقصور. فهل ما نحتاجه حقاً هو سياسة "نصف الحلول” التي تمتد إلى شهر فقط حتى نهاية العام؟ هذا القرار لا يعدو أن يكون مجرد مسكن للأزمة الاقتصادية قصيرة الأمد، دون أن يتطرق إلى ضرورة بناء استراتيجية اقتصادية بعيدة المدى تُعزز التحول نحو الاقتصاد الأخضر. هل يعقل أن يتم اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة بناء على حسابات سياسية قصيرة المدى، بينما يغيب عنها الرؤية المستقبلية التي تضع رفاهية المواطن وتطوير الاقتصاد الوطني في أولوياتها؟
المشكلة لا تكمن في قرار رفع الضريبة أو إلغائها فحسب، بل في غياب الرؤية الاستراتيجية في إدارة الملفات الاقتصادية والبيئية. الأزمات التي يعاني منها المواطن اليوم هي انعكاس لغياب التخطيط بعيد المدى ولعقلية إدارية تظل محكومة بالحلول السريعة التي لا تعالج جذور المشكلة. إن غياب التخطيط الاستراتيجي والتعاطي مع القضايا الاقتصادية والبيئية على المدى الطويل يعكس فشلاً في مواجهة تحديات المستقبل، حيث لا يزال المواطن يدفع ثمن السياسات المتخبطة. هذه العقلية، التي لا تزال ترى في المواطن مجرد أداة لتغطية العجز المالي أو لتحسين الصورة السياسية، تعكس تخبطاً في سياسات الحكومات المتعاقبة.
لقد عاشت الحكومات الأردنية خلال السنوات الماضية في حالة من التذبذب الاقتصادي والسياسي، حيث تتناوب على اتخاذ قرارات تتسم بالعشوائية تارة وبالتأخير تارة أخرى، بينما تستمر في تقديم الحلول التي لا تمتلك القدرة على التغيير الجذري. فعلى سبيل المثال، أظهرت التقارير أن الأردنيين يواجهون صعوبة في مواكبة التغيرات الاقتصادية بسبب تذبذب السياسات الحكومية، مثل الارتفاعات المفاجئة في الأسعار وتغيرات الضرائب المستمرة. ونحن، كمواطنين، لم نعد نحتاج إلى حكومات تتنافس على تصحيح أخطاء بعضها البعض. نحن بحاجة إلى نهج جديد في إدارة الحكومات يضمن استقرار الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة، مع وضع مصلحة المواطن كأولوية لا يمكن التفريط فيها.
ما يحدث الآن هو انعكاس لواقع سياسي مرير، حيث تسعى الحكومات إلى تسجيل نقاط سياسية على حساب مصلحة المواطن وعلى حساب مستقبل البلد بأسره. نحن بحاجة إلى نهج جديد في إدارة الحكومات يضمن استقرار الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة، مع وضع مصلحة الشعب كأولوية لا يمكن التفريط فيها. ولتحقيق ذلك، يجب على الحكومة تبني سياسات اقتصادية وبيئية متكاملة، مثل تقديم حوافز ضريبية للاستثمار في الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، مع وضع خطط طويلة الأمد لتحفيز النمو المستدام وتقليل العجز المالي بطريقة غير مؤذية للمواطن.