يُعد الحقّ في الغذّاء الكافي والمناسب حق من حقوق الانسان الأساسيّة التي كفلتها المواثيق الدوليّة والإقليميّة لحقوق الانسان في العديد من النصوص سواء ورد ذلك في الإعلان العالمي لحقوق الانسان او في تعليقات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية او في توصيات وتقارير المقررين الأمميين الى المناطق المختلفة من دول العالم.
تتجلى أهمية الحق في سياق حماية وتعزيز الامن الغذائي بالارتباط والتقاطع العميق بينه وبين الحق بالحياة والحق بالصحة الى جانب الحقوق كافة مع الاخذ بعين الاعتبار المبادئ التوجيهية التي نصت في ديباجتها أي مقدمتها على الكرامة الإنسانية المتأصلة لجميع البشرية من منطلق العدالة والمساواة للحق بالحياة بغض النظر عن أي تمييز قائم والدعوة الى والادماج والمساءلة وكرامة الانسان وتدعيم الجهود اللاحقة في سياق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، ولا سيما الهدف الثاني الذي نص بصريح العبارة على القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسن».
كثيرة هي النداءات العالمية غير مسبوقة التي دقت ناقوس الخطر لازمة غذائية عالمية وخصوصا بعد تداعيات جائحة كورنا وما تبعها من صراعات ونزاعات مسلحة ناشئة عن الازمات التي مرّ بها العالم سواء أزمات طبيعية او حروب وصراعات متكررة فقد كان للتغيرات المناخية المتمثلة في الجفاف والفيضانات الأثر الأكبر في تدمير البيئة واثرت على الثروة الزراعية والحيوانية الى جانب النزاعات المسلحة التي استخدمت التجويع كأحد أدوات للعدوان والنزاع والحرب ناهيك ما تأثر به الاقتصاد العالمي من أرتفاع حاد لأسعار السلع الغذائية وسلسلة التوريد و ارتفاع تكاليف النقل مما كان له الأثر في تدمير القطاع الزراعي وعدم قدرة المزارعين للوصول الى المدخلات الزراعية التي يحتاجون اليها ناهيك عن تأثيرات الضغوطات الاقتصادية في ارتفاع عدد الجوعى في العالم ، ومن هذا المنطلق وكخطوات وإجراءات اتخذتها بعض المؤسسات المختصة والتي لا يزال يقع على عاتقها القيام بجهود كبيرة والتي أولها ضمان وصول الأغذية والعلاجات الى الأماكن الأكثر تضررا وحاجة ، تفعيل برامج الحماية وفق أدوات وبرامج ذات اكثر جدوى ونفعا لضمان استدامة الحصول والوصول الى الغذاء ، المتابعة المستمرة مع الوكالات الأممية ذات العلاقة لضمان الوصول الى اكبر عدد من الشعوب ،
والسؤل الذي يطرح نفسه كيف يمكن توفير الضمانات لإعمال الحق في الغذاء الكافي لجميع الافراد والجماعات دون أي تمييز قائم؟.
انّ الإجابة على هذا التساؤل تكمن فيما الزمته المواثيق الدولية لحقوق الانسان بأنّ على الدول الأطراف في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اتبّاع اليّات تنفيذ اعمال الحقّ في الغذّاء من خلال اختيارها لأنسب الوسائل والأساليب لإعمال الحق في الغذّاء الكافي كونها تتفاوت حتما تفاوتاً كبيراً من دولة إلى أخرى، وقد منح العهد الدوليّ للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للدّول الأطراف الاخذ بمبدأ التدرج في التنفيذ ويكون لكل دولة طرف هامش استنسابي في اختيار مناهجها الخاصة، غير أن العهد يشترط بوضوح أن تتخذ كل دولة طرف ما يلزم من خطوات تشريعية وغير تشريعية لتضمن لكل فرد التحرر من الجوع وأن يتمكن الفرد في أقرب وقت ممكن من التمتع بالغذاء الكافي. ويستلزم هذا الأمر سنّ قواني وطنية واعداد استراتيجية وطنية لضمان الأمن الغذائي للجميع، الى جانب أتباع سياسات وما يقابلها من مقاييس. وينبغي أيضا أن تحدد الاستراتيجية الموارد المتاحة لبلوغ الأهداف وأنجع وسائل استخدامها من حيث التكلفة وأن تتناول الاستراتيجية قضايا وتدابير حاسمة إزاء كل جوانب نظم الأغذية، بما في ذلك إنتاج الغذاء المأمون وتجهيزه وتوزيعه وتسويقه واستهلاكه، وكذلك تدابير موازية في مجالات الصحة والتعليم والتشغيل والضمان الاجتماعي. والحرص على ضمان إدارة واستغلال الموارد الطبيعية وغيرها من موارد الغذاء، على المستويات الوطنية وعلى مستوى الأسرة المعيشية، بشكل يتصف بأقصى قدر من الاستدامة.