خدمة العلم.. كلها صارت خبراء بالعسكرية !!

ابراهيم  القيسي

حين يكون الأمر متعلقا بالعسكرية، والتجنيد الإجباري على وجه التحديد، فمن الجميل أن تلمس الحس الوطني لدى النخبة والمواطنين العاديين، لكن الأمر يفقد معناه حين يغوصون في الكلام بلا معلومة، ولا حتى خبرة عسكرية، ودون اعتبار لما يمكن ولا يمكن أن تفعله الحكومة أو الدولة في مثل هذه الظروف الاقتصادية.

يحق لي الحديث عن خدمة العلم بكلام مختلف، لأنني أديت هذه الخدمة، وأعرف ارتداء الفوتيك والقايش، والتكميل، وما زلت حتى اليوم مستعدا لتنفيذ كل المهارات وحتى حركات المشاة واستخدام السلاح، ومستعد للقيام بالواجبات العسكرية التي كنت أقوم بها قبل أكثر من 30 عاما، وما زالت تستيقظ في نفسي تلك المشاعر النزيهة النقية، كلما تذكرت أيام العسكرية الجميلة، حتى تلك الأعمال اليومية التي كنا نقوم بها، والتي قد تبدو بالنسبة لمن لا يفهمون معنى تهذيب النفس، قد تبدو بأنها تشكل فائضا عن الحاجة، ولا تتضمن معنى ساميا في التربية العسكرية التي هي محض تشكيل وبناء نفسية وشخصية وطنية «طاهرة»:

تنام في الليل سويعات لا تكاد تغمض فيها عينك إلا وتصحو على صوت قائد الفصيل، للنهوض والاستعداد للطابور، وربما للتفتيش على سريرك ومقتنياتك العسكرية، نظافة وجهوزية وتأهب في أي لحظة للخروج إلى الطابور الذي تستقبل خلاله معلومة واجبة التنفيذ، حتى لو لم يكن هناك واجب، تجد نفسك منهمكا في تلميع الشعار على «البوريه» بـ»البراسو»، أو تستخدم «الفرشاة» وعلبة «الكيوي»، لتلميع الحذاءين «نمرة واحد ونمرة 2»، أو أن تقوم بترتيب «اليطق» ضمن مواصفات معروفة، وتقوم بتلميع وتنظيف السلاح الخاص بك، تحصي عدد الطلقات المصروفة لك، وتتأكد من لمعانها باستخدام «البراسو»، وكذلك تفعل مع كل قطعة من بندقيتك، بعد أن تقوم بفكها، وتنظيفها باستخدام «زيت السلاح»، وتملأ «الباغات» بالطلقات البراقة، وتعيد كل شيء بمكانه بطريقة منظمة ثابتة، وتغلق «صندوق العدة، بعد أن تتأكد بأنك جهزت فرشاة الأسنان، وعدة الحلاقة، لتقوم بالاعتناء بنظافتك الشخصية كأول عمل تنفذه بعناية فائقة حين تصحو من النوم وتجهز نفسك للطابور الصباحي، الذي قد يتضمن جهدا ميدانيا أو ربما التوجه «للميس» وتناول وجبة الإفطار.. وعند ساعة الظهيرة عليك أن تكون في الطابور بكامل ذهنيتك، حيث يقوم عريف ورقيب وضابط الغفر بتلاوة قائمة «الوظائف» الليلية، وعليك أن تتأكد من اسمك في القائمة، وأين ستكون وظيفتك وما هي «نمرة الوظيفة».. ومن يفقد الذهنية تلك، سيكون مستنكفا ويتعرض لعقوبة ما من سلسلة عقوبات، في حال أن لا يكون لديه علم بأنه عليه واجب «وظيفة» هذه الليلة، أو لا يعرف نمرة وظيفته ومكانها.

مشروع عودة خدمة العلم بشكلها الذي عرفناه، أمنية شخصية، لكن يبدو أن الأمر لن يكون كذلك، بناء على معلومات عرفتها وتابعتها وكتبت عنها في هذه الزاوية، قبل أكثر من 10 سنوات، فهناك عوامل اقتصادية «مالية»، ربما تحول دون أن تكون خدمة العلم كما كانت في السابق، في حال عودتها فعلا، فقبل أكثر من 10 سنوات كان الموضوع يتطلب موازنة تبلغ «حوالي» نصف مليار سنويا، لإعادة خدمة العلم بشكلها السابق (وهي على فترة عامين كاملين، يتقاضى فيها المكلف بالخدمة حوالي 20 دينارا شهريا، علاوة على فاتورة الطعام والتجهيزات والكوادر العسكرية المسؤولة عن هذا الجيش الموازي.. فهل يعلم شيئا عن هذه المعلومات من يطالب الدولة بإعادة خدمة العلم «بجرة قلم»؟! .. وفي حال توفرت كل عوامل اعادتها بشكلها السابق هل سيكون عدد المجندين كعددهم حين كان عدد سكان الأردن 3 ملايين؟..

نعلم أهمية هذه الخدمة بالنسبة للدولة وللمجتمع وللشباب وتنشئتهم الوطنية والعسكرية والنفسية، لكن يجب النظر إلى كل الجوانب، وفهمها، قبل تسويق معارضات وبطولات وخبرات خارقة.

ما أجمل هتاف طابور الصباح الرياضي حين تكون كلمات «الله، الوطن، المليك» تخرج على وقع خطوات الجنود التي تدب على التراب الأردني برشاقة و»بصيرة» وطنية.