د. ليث كمال نصراوين
قرر رئيس الوزراء تفويض مجموعة من صلاحياته المقررة له بموجب التشريعات الوطنية إلى وزراء الدولة الذين اختارهم أعضاء في حكومته الجديدة، حيث جاء قرار التفويض استنادا لقانون الإدارة العامة رقم (10) لسنة 1965 وتعديلاته الذي ينص في المادة (6/أ) منه بالقول "لرئيس الوزراء أن يفوض أيا من نوابه أو أي وزير أي صلاحية من صلاحياته المنصوص عليها في أي قانون أو نظام باستثناء الصلاحيات الممنوحة له بمقتضى أحكام الدستور".
إن التفويض في مجال القانون العام يقصد به أن يعهد صاحب الاختصاص الأصيل بجزء من اختصاصاته التي يستمدها من القانون إلى شخص آخر ليمارسها نيابة عنه دون الرجوع إليه، شريطة بقاء المسؤولية القانونية على عاتق الشخص المفوِّض عن تلك الاختصاصات التي يجري تفويضها. فالتفويض لا يعني بأي حال من الأحوال أن يتخلى العضو الإداري عن مسؤولياته الأصلية المسندة إليه، بل هو مجرد طريقة فضلى لإنجاز الأعمال الإدارية بسرعة وكفاءة، وذلك من خلال توزيع العمل وتطبيق اللامركزية في تأدية الوظيفة العامة.
وتتمثل مبررات التفويض في مواكبة الزيادة المضطردة في الوظائف التي تقدمها الدولة بأجهزتها المختلفة، إذ أضحت الحاجة ماسة إلى ممارسة الاختصاص من غير صاحبه الأصلي وذلك لضمان مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واضطراد.
ويشترط لصحة التفويض أن يكون هناك نصا قانونيا يجيز "للمفوِّض" أن ينقل جزء من صلاحياته إلى شخص آخر وفي حدود ذلك التفويض. وهذا النص التشريعي الذي يجيز التفويض في الأردن يتمثل في قانون الإدارة العامة لعام 1965، الذي على الرغم من قِدَمه ومرور عقود من الزمن على إصداره، إلا أنه لا يزال صالحا لكي ينظم عملية تفويض رئيس الوزراء لبعض من صلاحياته إلى وزرائه في الحكومة.
وقد خضع هذا القانون لتعديل جوهري في عام 2014 تضمن توسيع نطاق الوزراء الذين يمكن لرئيس الوزراء تفويضهم وعدم قصرها على وزراء الدولة لشؤون رئاسة الوزراء. بالتالي، أصبح بإمكان الرئيس تفويض صلاحياته إلى وزراء الدولة الذي يقوم باختيارهم ضمن فريقه الوزاري.
وفيما يخص نطاق التفويض وحدوده، فقد أحسن المشرع الأردني عندما أجاز لرئيس الوزراء تفويض صلاحياته الواردة في أي قانون أو نظام باستثناء مهامه المناطة به بموجب الدستور، حيث تكمن الفلسفة التشريعية من عدم جواز تفويض الصلاحيات الدستورية المقررة لرئيس الوزراء في أن الدستور هو القانون الأسمى في الدولة الذي يبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها، وتشكيل السلطات الثلاثة ومهامها والقائمين على إدارتها، والتي تشمل الحكومة ممثلة برئيسها والوزراء فيها. فالصلاحيات التي أناطها المشرع الدستوري برئيس الوزراء يكون ملزما بممارستها وعدم تفويضها إلى أي شخص آخر، وذلك احتراما لسمو الدستور الموضوعي الذي يقصد به علو مرتبة قواعده القانونية عن باقي النصوص الواردة في التشريعات الوطنية.
كما يشترط أيضا لصحة التفويض أن يكون جزئيا، بحيث يشمل بعض الاختصاصات المقررة تشريعيا دون غيرها، والقول بخلاف ذلك وفي حال تفويض جميع الصلاحيات نكون أمام مبدأ الحلول في الاختصاص.
وتكمن أهمية تفويض بعض المهام الحكومية إلى وزراء الدولة في تفعيل المسؤولية السياسية أمام مجلس النواب. فكما هو معلوم إن وزير الدولة يختلف عن الوزير العادي من حيث أنه "وزير بلا وزارة"، "ووزير بلا حقيبة". فوزير الدولة لا يجري تخصيص مبنى وزاري له أسوة بباقي الوزراء، فهو بالعادة يمارس مهامه الوزارية من مكتبه في رئاسة الوزراء. كما أن وزير الدولة لا توجد له صلاحيات واضحة محددة أسوة بوزراء العدل والصحة والتربية والتعليم؛ فهو يقوم بمتابعة الأعمال التي يجري تكليفه بها من قبل رئيس الوزراء، بالإضافة إلى ما يصدر عن الرئيس من تفويض له في مسائل محددة وعلى سبيل الحصر.
إن اسناد مهام وزارية معينة لوزراء الدولة لمتابعتها عوضا عن رئيس الوزراء سيجعل وزير الدولة عرضة للمساءلة النيابية عن تنفيذها أمام مجلس النواب، وذلك سندا لأحكام المادة (51) من الدستور التي تنص على أن كل وزير فرد مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته. وعليه، فإن تفويض وزير الدولة بعض صلاحيات رئيس الوزراء تعتبر من قبيل أعمال وزاراته التي يملك مجلس النواب محاسبته عنها، وتوجيه الأسئلة والاستجوابات النيابية حولها، والتي قد يصل مداها إلى طرح الثقة به وإجباره على الاستقالة.
ولغايات تحقيق العلم اليقيني بهذا التفويض الحكومي للكافة وبالأخص لأعضاء مجلس النواب، فقد تم نشر قرار التفويض الأخير الصادر عن رئيس الوزراء في الجريدة الرسمية، مع بيان ماهية الصلاحيات الرئاسية التي شملها قرار التفويض ووزير الدولة المعني الذي جرى اسنادها له لمتابعة المهام والمسؤوليات التي هي بالأصل من اختصاص رئيس الوزراء.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة