استيعاب الحركة الإسلامية: ذكاء سياسي استراتيجي

في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي يمر بها العالم، نجحت الدولة الأردنية في صياغة سياسة حكيمة ومتوازنة، تجمع بين تطلعات الشعب وحاجات الدولة  السياسية، وتحافظ في الوقت ذاته على استقرار البلاد وسط العواصف السياسية المحيطة. لقد أثبتت الدولة الأردنية قدرتها على إدارة الملفات السياسية بذكاء، مما جعل الأردن نموذجًا يحتذى به في المنطقة من حيث التوازن والاستقرار.

 

إحدى أعظم إنجازات الدولة الأردنية هو قدرتها على البقاء على الحياد في الصراعات الإقليمية، مع تعزيز مكانتها كدولة محورية في تحقيق الأمن والسلام في الشرق الأوسط. نجحت السياسة الخارجية الأردنية في إقامة علاقات متينة مع القوى الكبرى، مع الحفاظ على علاقات طيبة مع دول الجوار. هذا التوازن الصعب يعكس براعة دبلوماسية تستحق الثناء.

 

وعلى الصعيد الداخلي، لا يمكن التغاضي عن دور الدولة في تحسين البنية التحتية الديمقراطية للدولة، وخاصة في مجال الانتخابات النيابية. فقد أظهرت الانتخابات النيابية الأخيرة في الأردن مستوى عالٍ من النزاهة والشفافية، مما يعزز ثقة الشعب في العملية الديمقراطية ويؤكد التزام المملكة بتطوير نظام سياسي متين يتيح الفرصة لكل فرد للتعبير عن رأيه والمشاركة في صنع القرار.

ومن أبرز الملامح التي تعكس ذكاء الدولة الأردنية في إدارة المشهد السياسي، هو قدرتها على استيعاب الحركة الإسلامية داخل إطار العمل العام والسياسي. الدولة الأردنية لم تعتمد سياسة الإقصاء، بل سعت إلى دمج التيارات الإسلامية في الحياة السياسية، وفتح قنوات الحوار معها، مما خلق كتلة سياسية صلبة يمكن التفاوض معها ضمن إطار مؤسسي ومنظم.

هذه الاستراتيجية الحكيمة لم تكن مجرد خطوة لإدخال الحركة الإسلامية في دائرة صنع القرار، بل كانت وسيلة ذكية لتجنب الأعمال الفردية التي قد تؤدي إلى اضطرابات داخلية. من خلال هذه الخطوة، ضمنت الدولة أن تصبح مطالب وتوجهات الحركة الإسلامية جزءًا من النقاش العام والمسار الديمقراطي، بدلًا من أن تتحول إلى مواقف معزولة أو متطرفة خارج الإطار المؤسسي.

هذا التكامل داخل الحياة السياسية لم يمنح الدولة فقط القدرة على التعامل مع الحركة الإسلامية بشكل مباشر، بل أتاح لها أيضًا القدرة على المساومة والتفاوض، وتوجيه الحركة نحو أجندات وطنية مشتركة. إنه درس في المرونة السياسية والاستفادة من كافة القوى الموجودة في الساحة لضمان استقرار الدولة وتحقيق التوازن بين مختلف الأطياف السياسية.

إلى جانب ذلك، لا يمكن التغاضي عن دور الدولة في تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة. من خلال تعزيز آليات الرقابة وتنشيط دور الهيئة المستقلة للانتخابات، تمكنت الدولة من تقديم نموذج ديمقراطي يُشيد به الكثيرون في المنطقة. كان هذا ضروريًا لضمان أن الانتخابات تعكس إرادة الشعب الأردني وأنها تعتمد على الكفاءة والعدالة، بعيدًا عن أي تأثيرات خارجية.

في النهاية، لا يسعنا إلا أن نعبر عن تقديرنا للسياسات الحكيمة التي انتهجتها الدولة الأردنية، والتي أثبتت أنها تسير بخطى واثقة نحو مستقبل مشرق، يجمع بين الحفاظ على الأمن والاستقرار، وتحقيق تطلعات الشعب الأردني في حياة كريمة وديمقراطية حقيقية. إن الانتخابات النيابية الأخيرة ليست سوى دليل آخر على أن الأردن يبني مستقبله على أسس من الشفافية، النزاهة، والعمل السياسي الذكي، مع القدرة على استيعاب كل القوى السياسية، بما فيها الحركات الإسلامية، ضمن إطار ديمقراطي يسمح بالتعاون والتفاوض لضمان استقرار البلاد وتجنب التطرف أو الاضطرابات