د. ليث كمال نصراوين
عقد مجلس الأمن القومي الأردني أولى اجتماعاته قبل أيام بحضور جلالة الملك وباقي الأعضاء المكونين له كما جرى تسميتهم في الدستور، وذلك لمناقشة الأوضاع الإقليمية الراهنة والتطورات السياسية والأمنية المرتبطة بها.
ويأتي انعقاد مجلس الأمن القومي كاستحقاق دستوري بالدرجة الأولى قبل أي اعتبارات سياسية أخرى؛ فالتعديلات الدستورية التي جرى إقرارها في سنة 2022 قد نصت صراحة على إنشاء مجلس أمن قومي تألف من أعضاء من السلطة التنفيذية ممثلين برئيس الوزراء وزير الدفاع ووزيري الداخلية والخارجية، ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية، إلى جانب عضوين آخرين يعينهما جلالة الملك وفق أحكام المادة (122) من الدستور.
ومنذ ذلك العام، يتابع المراقبون السياسيون والمهتمون بالشأن العام موعد إعلان ولادة هذا المجلس ومباشرته لمهام عمله، والتي حددها المشرع الدستوري بمتابعة الشؤون العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية. فجاء الاجتماع الأول لهذا المجلس قبل أيام ليكون تطبيقا حقيقا لنص دستوري جرى تضمينه أحكام الدستور منذ أكثر من سنتين ولم يجر تفعيله بعد.
إن النصوص الدستورية لها قدسية وسمو على باقي التشريعات الوطنية، وذلك نظرا لطبيعتها الخاصة والتي تصدر لتنظيم شكل الدولة وتشكيل السلطات الحاكمة فيها، وإنشاء الهيئات والمجالس الوطنية التي اختار المشرع الدستوري إعطاؤها بعدا تمييزيا عن باقي الهيئات الأخرى التي يجري إنشاؤها بموجب قانون. وعليه، فإن أي هيئة وطنية يتم النص صراحة على إنشائها في الدستور لا بد وأن ترى النور من حيث تشكيلها وممارستها للمهام والاختصاصات التي أناطها بها المشرع الدستوري.
لقد تعددت الهيئات والمجالس الوطنية التي أختار المشرع الدستوري الإشارة إليها في صلب الدستور أهمها ديوان المحاسبة الذي ينشأ لمراقبة إيراد الدولة ونفقاتها وطرق صرفها، والمحكمة الدستورية التي تختص بالرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير أحكام الدستور، والهيئة المستقلة للانتخاب التي يُناط بها مهمة الإشراف على الانتخابات النيابية والبلدية وإدارتها كاختصاص أصيل، وأية انتخابات أخرى يقرر مجلس الوزراء تكليف الهيئة بإدارتها والإشراف عليها بناء على طلب الجهة المخولة قانونا بإجرائها وفق أحكام القانون، بالإضافة إلى النظر في طلبات تأسيس الأحزاب السياسية ومتابعة شؤونها.
من هنا، تكمن الدلالة الدستورية الأهم لاجتماع مجلس الأمن القومي قبل أيام باعتبار هذه الخطوة تفعيلا حقيقا لهيئة وطنية جرى تضمينها أحكام الدستور في عام 2022. فجاءت الإرادة الملكية السامية ابتداء بتعيين عضوين اثنين في المجلس لمدة سنتين، وذلك كشرط دستوري لصحة اجتماعاته ومشروعية القرارات التي تصدر عنه، قبل عقد الاجتماع الأول للمجلس.
ويبقى التساؤل الأبرز حول القواعد الإجرائية التي تحكم عمل مجلس الأمن القومي وكيفية ممارسته لمهام عمله، والأساس القانوني في تعيين العضوين الإضافيين لمدة سنتين، على الرغم من عدم تحديد مدة زمنية لذلك في الدستور.
إن المنهجية التشريعية التي اختارها المشرع الدستوري عند إنشاء مجلس الأمن القومي في عام 2022 تمثلت في النص على تشكيلة المجلس والأعضاء المكونين له واختصاصاته في مجال الأمن والدفاع والسياسة الخارجية في المادة (122) من الدستور، ومن ثم أحال تنظيم شؤون المجلس إلى نظام خاص يصدر لهذه الغاية.
وبالفعل، فقد صدر نظام مجلس الأمن القومي رقم (29) لسنة 2022 كنظام مستقل يصدر استنادا لأحكام الدستور، والذي تضمن مجموعة من النصوص الإجرائية التي تتعلق بتعيين الأعضاء الإضافيين في المجلس، حيث نصت المادة (3/ح) من النظام على أن يُعين الملك عضوين في المجلس بإرادة ملكية سامية تحمل توقيعه المنفرد عليها وللمدة التي تحدد في الإرادة. وعليه، فقد اختار جلالة الملك مدة سنتين لعضوية كل من رئيس الديوان الملكي ومدير مكتبه في مجلس الأمن القومي.
وفيما يخص آلية اجتماع مجلس الأمن القومي، فإنه يجتمع بدعوة من جلالة الملك وبحضوره أو حضور من يفوضه، ويكون اجتماع المجلس قانونيا بحضور أغلبية أعضائه، وتصدر قراراته بأكثرية أصوات الأعضاء المشكلين له. وتوقع قرارات المجلس من الأعضاء فيه، ويجري رفعها إلى جلالة الملك للمصادقة عليها، بحيث تكون هذه القرارات واجبة النفاذ وملزمة للكافة بعد صدور الموافقة الملكية عليها .
ويحق لمجلس الأمن القومي دعوة من يراه مناسبا لحضور اجتماعاته والاستئناس برأيه في الموضوعات المعروضة عليه، كما له الاستعانة بالخبراء وتشكيل اللجان لمساعدته على القيام بمهام عمله. وفي جميع الأحوال، تكون اجتماعات المجلس ووثائقه ومحاضر اجتماعاته ومداولاته سرية لا يجوز افشاؤها من قبل أي من الأعضاء فيه حتى بعد انتهاء مدة عضويته في المجلس، وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونية.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة