د. حمزه العكاليك
يقف الأردن عند مفترق طرق. فبفضل سكانه الشباب ذوي الاهتمام الكبير بقطاع تكنولوجيا المعلومات، يمتلك البلد المكونات اللازمة لمستقبل مستدام ومزدهر. ومع ذلك، فإن ارتفاع معدل البطالة بين الشباب يلقي بظلاله على هذا الإمكانات. السؤال هنا هو كيف يمكن للأردن أن يستفيد من نقاط قوته لتمكين شبابه، وتحويل التحدي إلى فرصة.
يفخر الأردن بالعديد من العوامل المثيره للإعجاب لمستقبل قائم على تكنولوجيا المعلومات. فمع معدل معرفة القراءة والكتابة الذي يتجاوز 98% وإمكانية الوصول إلى الإنترنت التي تصل إلى 97%، فإن السكان مستعدون للتقدم التكنولوجي. اضافة الى ان قطاع تكنولوجيا المعلومات نفسه يساهم بنسبة تبلغ 13% من الناتج المحلي الإجمالي للأردن، مما يبرز إمكاناته كعامل اقتصادي.
كما ان الأردن يحتل المركز القيادي في إنشاء المحتوى العربي على الإنترنت حيث ان 75% من هذا المحتوى مصدره الاردن. كما ان الاردن هو نقطة العبور الى 33% من الانترنت العالمي حيث ان نقطة ربط العالم العربي بالكابلات البحريه هي العقبة.
ورغم هذه المزايا، يواجه الأردن واقعًا صارخًا – فمعدل البطالة بين الشباب يبلغ 22%. وعليه فأن هذا التناقض بين نسبة المتعلمين ونقص الفرص الوظيفية يتطلب إجراءً فوريًا.
وبالاطلاع على تجارب الاقتصادات المتقدمة مثل سنغافورة واليابان؛ حيث تعطيان الأولوية للتعليم وتستثمر بشكل كبير في تنمية القوى العاملة الماهرة. فسنغافورة تركيز على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) التي تعززمن منافسة قطاع تكنولوجيا المعلومات لديها على المستوى العالمي. بينما تضمن اليابان تدفقًا مستمرًا من المحترفين المهرة الذين يدخلون سوق العمل من خلال التركيز على التدريب المهني.
وبما ان الحكومة الأردنية اقترضت 12 مليار دولار منذ بداية ولايتها الدستورية، فإنه من الحكمة استراتيجياً النظر في اقتراض مليار دولار إضافي مخصص فقط لدعم وتنفيذ برنامج تعليم وتدريب مكثف في قطاع تكنولوجيا المعلومات. فتحت القيادة الخبيرة لوزير التربية والتعليم، فأن هذه المبادرة تهدف إلى دفع النمو الاقتصادي، ورفع المعايير التعليمية، وتقليل البطالة من خلال تزويد القوى العاملة بالمهارات الأساسية لقطاع تكنولوجيا المعلومات.
تشمل الأهداف الرئيسية لهذا البرنامج الى التنويع الاقتصادي، والتميز التعليمي، وزيادة فرص العمل. فمن الممكن أن تكون النتائج هي وجود قوى عاملة ماهرة، وخلق وظائف بشكل كبير، وتنمية اقتصادية مستدامة، وتحسين جودة التعليم. هذا الاستثمار الاستراتيجي يعد بتحويل التحديات إلى فرص، مما يضع الأردن في مقدمة قطاع تكنولوجيا المعلومات اقليميا وعالميا.
كما يمكن لشركات تكنولوجيا المعلومات أن تستثمر في برامج المنح الدراسية التي تستهدف الطلاب الواعدين من خلفيات محدودة. هذا يضمن دخول مجموعة متنوعة وموهوبة إلى القوى العاملة. بالإضافة إلى ذلك، يسمح إنشاء برامج تدريبية للشركات بتحديد وتوجيه الموظفين المستقبليين، مع تزويد الطلاب بخبرة حقيقية لا تقدر بثمن.
كذلك يمكن التعاون مع شركات تكنولوجيا المعلومات مثل مايكروسوفت، سيسكو، أو كومبتيا لإنشاء حاضنات ومسرعات تكنولوجيا تركز على تقديم مساحات عمل مشتركة، وإرشاد من محترفين ذوي خبرة، ولتقديم شهادات معترف بها عالميًا ضمن المناهج التعليمية. حيث أن هذه الشهادات تمنح الخريجين الأردنيين ميزة تنافسية في سوق العمل العالمي.
وهذه البرامج المكثفة يجب أن تركز على المهارات المطلوبة في قطاع التكنولوجيا. ويمكن أن يشمل ذلك مراكز تدريب في تطوير الويب، تحليل البيانات، تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة، امن الئشبكات أو الأمن السيبراني.
فمن خلال إعطاء الأولوية لهذه التقنيات الناشئة يمكن للأردن خلق قوة عمل جاهزة للمستقبل. ويمكن لخبرة الذكاء الاصطناعي مثلاً أن تمكن الشباب الأردني من تطوير حلول مبتكرة في مجالات الرعاية الصحية، والتمويل، والنقل. وستضمن مهارات الأمن السيبراني القوية حماية البنية التحتية الرقمية المتنامية في الأردن، بينما ستسمح كفاءة الحوسبة السحابية للشركات بالعمل بمرونة أكبر وقابلية للتوسع.
ويمكن للأردن إنشاء نظام ديناميكي يعزز التعلم المستمر، والتعاون الصناعي، وتطوير المهارات العملية من خلال تنفيذ هذه الاستراتيجيات المتعددة الأوجه،. وسيساعد هذا شبابه على التكيف مع مشهد تكنولوجيا المعلومات المتغير باستمرار، مما يرسخ مكانة الأردن كقائد في قطاع التكنولوجيا الإقليمي.
وعلية فمن خلال تعزيز ثقافة الابتكار وتوفير نظم الدعم اللازمة، يمكن للأردن تمكين شبابه ليصبحوا ليس فقط موظفين بل أيضًا صانعي وظائف. وستقود هذه الروح الريادية إلى تطوير شركات تكنولوجيا أردنية محلية، مما يعزز النمو الاقتصادي للأجيال القادمة. وبناءً على ذلك، يمكن للأردن تحويل تحدي البطالة بين الشباب إلى منصة لانطلاق التنمية المستدامة.