الاستاذ الدكتور ليث نصراوين
يعد الحق في التجمع السلمي من الحقوق الأساسية التي كرسها الدستور الأردني، حيث تنص المادة (16) منه على أنه للأردنيين الحق في الاجتماع العام ضمن حدود القانون. وتنفيذا لهذا الحكم الدستوري، فقد صدر قانون الاجتماعات العامة رقم (7) لسنة 2004 وتعديلاته، الذي عرّف الاجتماع العام بأنه ذلك "الاجتماع الذي يتم عقده لبحث أمر ذي علاقة بالسياسة العامة للدولة".
وتتعدد أشكال الاجتماع العام في القانون الأردني لتشمل المظاهرات والاعتصامات والمسيرات والوقفات الاحتجاجية التي يجري تنظيمها هذه الأيام من قبل القوى السياسية والحزبية الأردنية، والتي تعلن فيها عن تضامنها مع أشقائنا في فلسطين المحتلة، ورفضها التام لجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها المحتل الصهيوني في قطاع غزة.
وقد خضع قانون الاجتماعات العامة الأردني لتعديل جوهري في عام 2011 بأن أصبح عقد الاجتماع العام معلقا على إشعار خطي يجري تقديمه من قبل منظمي الاجتماع العام إلى الحاكم الإداري قبل ثمان وأربعين ساعة على الأقل من موعد الاجتماع، وذلك لكي تتمكن الجهات الإدارية بالتعاون مع أشخاص إنفاذ القانون من اتخاذ كافة الترتيبات اللازمة للمحافظة على النظام العام بعناصره الأربعة؛ الأمن، والصحة، والسكنية، والآداب والأخلاق العامة.
فقبل عام 2011، كان عقد الاجتماع العام أو المسيرة في الأردن معلقا على صدور القرار بالموافقة على عقد هذه الفعالية من قبل الحاكم الإداري، ليتم لاحقا تكريس الحق في التجمع السلمي كإحدى أشكال الحق في التعبير عن الرأي، وذلك من خلال تعديل القانون وتعليق الحق في عقد الاجتماع العام على مجرد تقديم إشعار خطي وليس الحصول على موافقة مسبقة.
وبالرجوع إلى الأحكام الخاصة بتقديم الإشعارات الخطية بعقد المظاهرات والمسيرات في قانون الاجتماعات العامة الحالي، نجد بأن المشرع الأردني قد اشترط في الاشعار الخطي المقدم أن يتضمن أسماء منظمي الاجتماع العام أو المسيرة وعناوينهم وتواقيعهم، والغاية من الاجتماع أو المسيرة، ومكان وزمان أي منهما، معتبرا كل اجتماع عام يُعقد أو مسيرة تُنظم دون تقديم هذا الإشعار الخطي عملا غير مشروع .
ولغايات الموازنة بين حق الأفراد في التعبير عن الرأي من خلال تنظيم المظاهرات والمسيرات الشعبية وبين المصلحة العليا للدولة في المحافظة على النظام العام، فقد أعطت المادة (7) من قانون الاجتماعات العامة الحاكم الإداري الحق في إصدار الأمر بفض الاجتماع أو تفريق المسيرة إذا رأى أن مجريات أي منهما قد تؤدي إلى تعريض الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة للخطر، أو المس بالسلامة العامة .
كما ينص القانون في المادة (8) منه على أنه إذا وقع أثناء الاجتماع العام أو المظاهرة إخلال بالأمن أو النظام العام، أو حصل إضرار بالغير أو بالأموال العامة أو الخاصة، فإن المتسببين بالأضرار يتحملون المسؤولية الجزائية والمدنية المترتبة عن هذه الأفعال الجرمية.
وضمن إطار تنظيم الحق في الاجتماع العام، أصدر وزير الداخلية وبالاستناد إلى أحكام القانون تعليمات خاصة تسمى "تعليمات تنظيم الاجتماعات العامة والتجمعات والمسيرات لسنة 2011"، التي تتضمن في المادة (2) منها مجموعة من المحاذير القانونية التي يتعين على كل من منظمي الاجتماع العام والمظاهرات والمشتركين فيها التقيد بها، وذلك تحت طائلة المسؤولية القانونية وفض الاجتماع بالقوة.
فبموجب هذه التعليمات، يُحظر على المشاركين في المسيرات والمظاهرات استخدام أي شعارات أو هتافات أو رسومات أو صور أو رموز تمس سيادة الدولة أو الوحدة الوطنية أو الأمن أو النظام العام، كما يُمنع عليهم حمل الأسلحة والأدوات الحادة أو أي أداة تساعد على ارتكاب الجريمة أو الإخلال بالأمن أو النظام .
وتشمل القيود القانونية المقررة على الحق في الاجتماع العام عدم عرقلة حركة السير أثناء المسيرات، وعدم التعرض للمنشآت العامة أو الخاصة، وعدم السماح لأي كان بالإخلال بالأمن أو النظام داخل أماكن الاجتماعات، وأن يتم رفع العلم الأردني فقط في المسيرات والمظاهرات وفقا لما هو مقرر في قانون الأعلام الأردنية النافذ المفعول.
إن التمسك بمبدأ سيادة القانون كقاعدة دستورية جرى النص عليها صراحة في المادة (6) من الدستور بحلته المعدلة في عام 2022 يوجب العمل على تطبيق قانون الاجتماعات العامة النافذ وذلك من حيث الأصول الإجرائية الواجب اتباعها لعقد الاجتماع العام أو المسيرة، والتي تتمثل بضرورة تقديم إشعار خطي مسبق لعقد أي فعالية شعبية تحت طائلة اعتبار ذلك التجمع عملا غير مشروع.
* أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة