«يموتون جوعا».. سمعناها ولم نصدقها في كثير من الأحيان، ورأينا بمعناها الكثير من المبالغة، فمن يموت جوعا، ومن لا يجد طعاما يسدّ به حاجة جسمه ولو بالحد الأدنى ليبقى على قيد الحياة، وبقيت هذه الجملة في دائرة الشك، حتى بتنا نراها اليوم تتحقق على أرض الواقع في غزة، وأصبحنا نشاهد بعين الواقع أطفالا ونساء ورجالا يموتون جوعا، لعدم وجود الطعام ولو بالنزر اليسير. ففي غزة، خرجت المعاني والكلمات عن صمتها، وباتت تحكي حقائق ووقائع، وأصبحنا نرى في اللغة قصورا في نقل الواقع، من مجازر تعيشها هذه البقعة الجغرافية الصغيرة التي تكالبت عليها قوى عالمية، فأصبح الموت جوعا جزءا من الفظائع التي يواجهها الغزيون، إلى جانب تفاصيل أخرى حقّا لم تعد اللغة قادرة على نقلها بالكلمات، وحتى عدسات الكاميرات باتت صغيرة لتتمكن من نقل ما يحدث، ولكن يبقى الطعام والغذاء أكثر هذه الفظائع والجرائم ألما ووجعا، وضربة في خاصرة الإنسانية. بقي الأردن كعادته السند والداعم للأهل في غزة بموضوع المساعدات الغذائية، وتمكّن بتوجيهات مباشرة ومتابعة شخصية من جلالة الملك عبد الله الثاني من تحقيق سابقة في إيصال المساعدات من خلال الإنزالات الجوية، ورأينا الوجبات الأردنية وهي تنقذ حياة أطفال وعائلات بأكملها، من وجع «الجوع» وموت «القهر»، ليحضر في هذا الميدان بمواقفه النضالية التي لا تشبه سوى الأردن. بالأمس، حذر جلالة الملك عبدالله الثاني خلال استقباله المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) شو دونيو، «من تداعيات انعدام الأمن الغذائي جراء الحرب الدائرة»، الحرب على أهلنا في غزة، وأكد جلالته على «ضرورة مواصلة كل الجهود لإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع بكل الطرق المتاحة، والعمل على استعادة الخدمات الأساسية هناك»، وتناول اللقاء الوضع الإنساني في غزة. هي رسائل جلالة الملك التي تبنى عليها المواقف الأردنية الإنسانية العظيمة للوقوف مع أهلنا في غزة، ففي تحذيرات جلالة الملك من انعدام الأمن الغذائي في غزة، رسالة بحجم معاناة الشعب الذي يواجه أبشع وأقسى حرب عاشتها البشرية، هي تحذيرات تتعدى مفهوم التحذير لما يؤشّر لحرب من نوع خطير يقوم بها الاحتلال على الغزيين، حرب «تجويع» حتى الموت، ربما لا يدرك خطورتها التي حذّر منها جلالة الملك كثيرون. وفي إيصال المساعدات الإنسانية وديمومتها رسالة من جلالة الملك هامة جدا، ففي هذه المساعدات شريان حياة للأهل في غزة، يجب الأخذ بها على محمل التطبيق، فلا بد من وجود هذه المساعدات واستمراريتها، حتى يبقى نبض حياتهم، سيما وأن الأردن قام ويقوم وسيقوم بدوره في هذا المجال وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وفي حديث جلالته مع جهة دولية تعدّ أساسية فيما يخص الأمن الغذائي رسالة هامة يحتاجها الغزيون، وتعدّ ضرورة ملحّة للأهل في غزة يأملون أن يدركها العالم ويحذو حذو الأردن، ففي كلمات جلالته أهمية كبرى، ورسائل على الجميع التقاطها حتى لا تتشعّب الحرب على غزة، وتصل لأمعاء الأطفال والنساء والأبرياء.