الأردن 1: الفتنة صفر

نجحت بطولة كأس آسيا وحققت أهدافها الحقيقية ، نعم نجحت في خلق حالة من الجدل في الذهن العربي، وخلقت زوابع جانبية ساهمت في تشتيت الانتباه عن المهمة الشعبية الأهم اليوم وهي إسناد أهلنا الذين يتعرضون لأقسى إبادة جماعية موثّقة بالصوت والصورة في التاريخ.

 

سيقول قائل أن المشاركة في البطولة هي بمثابة مشاركة في التعمية على الموقف الجذري الداعم للأشقاء في غزة، فنقول أن خيار المشاركة لم يعد عملياً بيد الدول والاتحادات، سيما بعد التوجه الممنهج للمؤسسات التي تدير شؤون اللعبة والتي تفرض قيوداً وعقوبات على من يتخلف، ناهيكم عن كون المشاركة فرصة لللتعبير عن موقف داعم للقضية ، وقد شاهدنا ذلك بوضوح في سلوك لاعبينا وجمهورنا الذين لم يفوّتوا فرصةً للتعبير عن الشعور تجاه مايحصل ، كان أعمقه ربما رسالة لاعبنا الكبير "محمود مرضي" الذي احتفل عند تسجيل هدفه الأول بعبارة "هي قضية الشرفاء " ، فكان أن عوقب وجرى تغريمه ، فقرر المنتخب أن يستكمل المشوار حتى الفوز بالبطولة وتقديم المنجز هديةً للصامدين في غزة وفلسطين.

 

شارك العرب اذاً ، ولعبوا وقلوبهم هناك ، في جباليا وخانيونس ورفح ودير البلح ، وفي الضفة والقدس ، وكان ماكان في المباراة النهائية من ظلمٍ ممنهج اعترف به كل من لم يلوّثه مال الغاز والنفط، بدءً بالتضييق في ملف التذاكر وإمكانية الحصول عليها ، وصولاً إلى تفاصيل المباراة النهائية وماوقع فيها من ظلم تحكيمي وماتبعه من ابتذال في تكديس كل الألقاب ، فرديةً وجماعية، في خزانة المنتخب القطري الشقيق.

كل ذلك لايرقى لمستوى المعركة، ولايفترض أن يفتح أبواب الشقاق والخلاف بين قطرين شقيقين رغم الحدة التي عبر فيها بعض الأردنيين ، والاستخفاف والإساءة الذي تعامل به بعض الأشقاء القطريين، لكن المفاجئ والمعيب والمرفوض ماحملته بعض الأقلام القطرية التي قطرت سماً وعداءً وإساءة ، فالفرق كبير بين تعبيرات مرفوضة او غير متوازنة من قبل المواطنين العاديين على مواقع التواصل وبين مقالات كتّابٍ ممنهجة ومسيئة لم تراعي مفردات الأخوّة والعلاقات ولم تجد من يلجمها في بلدٍ شقيق لم يسمح الأردن لكاتب او صحيفةٍ او وسيلة إعلامية بالتطرق بحرف مسيء له ، بل ونستذكر تصريحات "النشامى" على وسائل الإعلام بعيد المبارة قبل النهائية وكيف تمنوا بقلوب عربية صادقة ان يكون منتخب قطر شريكهم في المباراة النهائية ولسان حالهم وحال الاردنيين يقول ( الأهم أن يكون اللقب عربياً) .

    الإساءة التي توّجها كاتب قطري فتنوي قصير النظر ، لايرقى لمستوى الند خلقت أزمةً في الشارع الأردني ، وأريد لها أن تطيح بجهود كبرى بُذلت عبر سنوات طويلة ، وحققت نجاحاً مشهوداً في درء محاولات التشويش على علاقة قطرين شقيقين ، سيما والأردن الذي احتفل مؤخراً بمؤية تأسيسه، التي توّجت دهراً طويلاً من الحضارة والمدنية ،يقارب علاقاته بالأشقاء العرب بمنطق الأخ الكبير بمواقفه وحرصه ووزنه وقدرته على التأثير وسعيه الدائم لوحدة الصف العربي وتوحيد الجهود نحو مافيه مصلحة العرب العليا ، وهكذا كان اليوم ، فقد نجحت الحكومة في نبذ الفتنة وتفويت الفرصة على المصطادين في الماء العكر، وترفّعت عن معارك عبثية أرادها البعض في ظرفٍ نحن فيه في أمسّ الحاجة لتوحيد الجهود، ولسان حالها يقول : الكبير من يستوعب الشقيق ويمضي .

فُوّتت إذا الفرصة على العابثين ، ورفض الأردن بحكمته وإيمانه بثوابت العروبة والمصير المشترك ورغبته في منع التشتيت عن المهام الحقيقية اليوم، فكبح خطاب بعض أصوات الداخل التي غمزت من قناة الفرق في الأوزان أو دور الآخرين التخريبي واصطفافتهم ، أو التي استرجعت مفاصل الماضي ومثالب البعض أو منطق شراء الذمم الذي استخدم ضد البلاد سابقاً.

ختاماً هي فرصةٌ لوقفة حقيقية مع الواقع باتجاهين … دروس المسؤولية والتعالي عن الصغائر من جهة ، ودروس الداخل والفرز الذي يفاضل بين المخلصين من أبناء الوطن ، المدافعين عنه .. وبين المسترزقين الذين يتاجرون بالقلم والكلمة … والموقف.