ما إلنا مصلحة

 

اللعبة السياسية الدولية؛ أمريكية بالكامل في منطقتنا العربية، فيها تحالفات ومشاركون عرب، والأردن من بينهم، لا شك في ذلك، فهناك ملفات كبيرة مشتركة، لا يمكن للأردن وحده مجابهتها، لا سيما المتعلقة بالإرهاب والخراب العابر للحدود، والذي يستمد غذاءه وهواءه من مناطق الصراعات الملتهبة، والتي هي بدورها لا تخلو من صناعة دولية ..

أمس قالت الحكومة الأردنية عبر الناطق باسمها وزير الاتصال د. مهند المبيضين، إن الهجوم الذي وقع قرب الحدود الشمالية الشرقية للمملكة الأردنية الهاشمية، لم ينطلق أو يحدث في أراض أردنية، وهو تصريح كامل، يمكنني إضافة كلام «شعبي» عليه ليكتمل، وهو كلام من نوع «مالناش مصلحة».. علما أن فكرة «مالناش مصلحة»، هي مبدأ أردني هاشمي ثابت في السياسة الأردنية الخارجية، وهو المبدأ الذي يمنح الأردن المزيد من الاحترام في الأوساط العربية والدولية، ولم تساوم الأردن يوما على هذا المبدأ، ولم توافق على «عرضه» في مزادات اللعبة السياسية الأمريكية والغربية أو الشرقية على وجه العموم.. فنحن لا نتدخل في الصراعات الداخلية للبلدان العربية، ولا غيرها، ولا يتعارض هذا مع أية اتفاقيات عسكرية بين الأردن وجيوش العالم أو أجهزته الاستخبارية، المتعلقة بالتنسيق الأمني الدولي لمكافحة الإرهاب..

رفض الأردن «ألف مرة» الانخراط في نزاع مع إيران، وفي الوقت نفسه لم يتحالف مع أذرعها الكثيرة المنتشرة في المنطقة، والتي تتصدر نزاعات وصراعات وحروب أهلية داخلية في بلدانها، وهذه أول فكرة من هذا المبدأ الأردني السياسي، وهي أن لا نفتح البلاد لصراعات ميليشيوية من أي نوع، ولا نسمح بعمل سياسي حزبي مرتبط بأية جهة سياسية خارجية، ولا يتم ترخيص مثل هذه الأحزاب في الأردن، وتجري ملاحقة ومكافحة و»محو» أية محاولة في هذا الإطار، وهذا أول سبب وجيه لتفسير وفهم «معادلة الأمن والاستقرا في الأردن»، التي تعتبر فوق أنها نجاح سياسي أمني أردني، هي أيضا وصفتنا الأردنية لتجنيب بلدنا الفوضى وانفلات السلاح والاستثمار في بورصة الدم التي تزدهر كل يوم في جوارنا وفي مناطق أخرى بعيدة عنا، وهذا مبدأ سياسي واضح، يعرفه السياسيون الأردنيون، والأهم من ذلك هو «دستور» أمني رئيسي في العقلية الأمنية الأردنية.. «ما إلنا مصلحة ومهما حاولتو ما إلكو عنا خبز».

أما عن الهجوم على قاعدة بل موقع عسكري أمريكي في «التنف».. أو أية منطقة خارج حدودنا الأردنية، فهو لا يعنينا، وليس ثمة مجال لتمجيده بالنسبة لي، لكنني مع أي جهد سياسي وشعبي وعسكري مرتبط بالانتقام من المجرمين الذين يقتلون الشعب الفلسطيني في مجازر إبادة مشهودة ومستمرة ولا يكون عاقلا ولا إنسانا من ينكرها، أو يتغاضى عنها، أو ينكر دعم وتشجيع ورعاية أمريكا لمجرميها، وللكيان المجرم الذي يمارسها منذ 75 عامًا ويزيد، ولا المجازر والفوضى التي تسببت بها أمريكا في بلدان عربية وراح ضحيتها عشرات الملايين، بين شهيد ولاجئين ومصابين وفاقدين لمقومات الحياة والأمن.. لكن ما يهمني أكثر من كل هذا، هو ما يهم ويشغل بال الدولة الأردنية من «رأسها»، حتى أخمص «معارضاتها»، هو الأردن، ومصالحه وأمنه وسيادته واستقراره، وحقوقه وحدوده.. ومستقبله، فمستقبل الأردن، لن يكون على ما يرام لو تم اجترارنا «كغيرنا» إلى ساحة الفوضى والصراعات المليشيوية، وسوق الدم والإجرام العصاباتي، الإرهابي أو التوسعي الذي يخدم مشاريع وأجندات عدوانية..

الهجوم على الجنود الأمريكان وقتلهم أمس الأول في مناطق خارج الأردن ليس مسؤوليتنا، ولا شأننا، وبالنسبة لمحاولة «توريطنا» فنحن لسنا أغرارا في هذه اللعبة السياسية، بل سبق وأن أثبتنا للقاصي والداني بأنه «ما إلنا مصلحة فيها».. ونرفضها أيضا، ولا نتمناها لشعب أو دولة حرة مستقلة.