غزة : د جمال يرثي إبنته الشهيدة سماح وحفيدته لارا - فيديو وصور

 كتب الدكتور جمال نعيم

 
 

‏"بابا، ممكن تيجي تنام معنا في الغرفة، أنا كثير خايفة"

 

‏الساعة الثالثة فجرا في الأسبوع الثاني من الحرب على غزة أكتوبر ٢٠٢٣، جاءتني حبيبتي سماح ذات ال ٢٩ عاما راجية بعد أن أقلقنا صوت الانفجارات والقصف في محيطنا...

‏تبسمت، وذهبت انام بجوارها وابنتها في صالة البيت، فشعرت بالاطمئنان ونامت ما استطاعت إلى ذلك سبيلا....

‏"بابا... أنت "مهكر", مش بابا اللي بيعصب تحت ضغط العمل، وبده كل شئ يمشي ١٠٠٪، أنت هادئ كتير، ومتماسك كتير، رغم معرفتي العميقة بك، أنا عرفتك من جديد وكتير حبيت شخصيتك اللي تعرفت عليها في الحرب، أنا سعيدة إنك أبويا"

‏في بداية يناير ٢٠٢٥، كنا نرتشف كوبا من القهوة صنعته صباحا خصيصا لي ولها، جلسنا على شرفة بيت صهري الذي التجأنا إليه هربا من القصف الشديد في محيط بيتنا، فقالت لي مبتسمة: بابا، أنا لم أعد أخاف من الموت، ولكن عندي سؤالين أريد إجابة عليهما:

‏هل يتألم الإنسان عندما يقصف؟ نظرت إليها متعجبا من سؤالها وقلت ما تعلمناه من رسولنا الكريم بأن الشhيد يشعر بقبض روحه وكأنها قرصة النملة، تبسمت وسألت: اسمعني، أنت أكثر واحد بتعرفني أكثر من أي حدا، اللي مثلي بيروح الجنة؟ ضحكت قائلا: يا مجنونة، هو إنتي شو عملتي علشان ما تدخلي الجنة؟ وبعدين أهل غزة كلهم بما عايشوه من خوف ورعب وتشريد كلهم من أهل الجنة.

‏فقالت وهي تكاد تبكي: إذا ربنا كاتب لي الشهادة، مش حابة أسيب بنتي لوحدها، إن شاء الله نكون مع بعض.

‏سماح، الدكتورة سماح، مواليد أغسطس ١٩٩٤، ورغم حبي الشديد لكل بناتي، لكنها لم تكن فقط ابنتي التي أحبها، كانت صديقتي وكثيرا كاتمة سري، لعل دوامها معي من ٢٠١٢ حتى أكتوبر ٢٠٢٣ كل يوم، كان ذلك في الجامعة كطالبة مع عميد كليتها، أو كزميلة في المركز ل ٦ سنوات، لساعات طويلة وكل يوم، هو من جعلنا أقرب إلى بعضنا البعض، أقرب في طريق التفكير وطريقة التفاعل مع المحيط، فرحنا مع بعض، تعبنا مع بعض، تشاركنا كثير من الهموم، تشاكسنا وتراضينا،

‏كانت الأكثر شبها بي، في عصبيتها، وطيبة قلبها، في كرمها وعطائها، في إدمانها على الإتقان في عملها كطبيبة أسنان متميزة.

‏كنت أشعر بأنها أكثر بناتي ملاحظة لمشاعري ولأفكاري،

‏وكانت كذلك إذا شعرت بالضيق من أي شخص كان، تلجأ إلي شاكية همها وحزنها، وفي نهاية الحديث تراها ابتسمت وسامحت من أحزنها وأحتسبته لوجه الله.

‏كانت دائما لها صدقة من مالها للفقراء والمحتاجين، تراها تحمد ربها على ما أنعم عليها وتحزن عندما ترى ضائقة محتاج، فكانت تدخل المكتب ترجوني أن لا أحاسب فلانا أو علانا أو على الأقل أن أخفض تكاليف العلاج لشخص ما، رغم عدم سابق معرفة به، لأنه يبدو فقيرا ولا يستطيع دفع تكاليف العلاج...

‏عندما كان يأتيها عريس ليخطبها كانت تشترط شرطين: مش دكتور، ورجل شهم وكريم، والباقي ربنا بييسر فيه، وفعلا رزقها الله برجل شهم وكريم، صاحب نخوة، أحبها حبا حسدها من عرفها على ذلك الحب.

‏كان يوم السبت وكانت صائمة، أخرنا غداءنا لنجلس مع بعض على السفرة، ضحكنا كثيرا في ذلك المساء، نوت صيام الأحد، صلينا العشاء في جماعة ثم سمعنا نشرة أخبار السابعة ليذهب الجميع إلى النوم في حوالي التاسعة..

‏بعضنا لم يستيقظ من نومه وبعضنا استيقظ على كابوس لم يكن يحلم به، أن نستهدف مباشرة من الاحتلال.

‏لا تسعفني الكلمات أن أصف ابنتي الشهيدة د سماح، التي كنت أبني امالي عليها وعلى رفيقة دربها د شيماء في تحمل أعباء المركز في السنوات القادمة، كنت أرى فيها نفسي وخيالي يتحقق يوما بعد يوم....

‏كبرت وردتي وأينعت وبدأ عطرها يفوح في الأرجاء، ولكن الغاصب الجبان قطف وردتي الجميلة بكل عنف ليحفر جرحا عميقا في قلبي لن يندمل أبدا...

‏ذهبت إلى بارئها، وجدناها نائمة كما تعودت أن أراها، ذراعها فوق رأسها، لم تصب ولو بخدش واحد، وبجوارها الملاك الصغير ابنتها لارا حسين عليوة جميلتان كالقمر، تليق أن تتزين الجنة بهما.

‏رحمك الله يا سماح وجعلك وابنتك شفيعتين لنا في الآخرة وجمعنا بكما في مستقر رحمتك.لمثلك تليق الشهادة.

تاليا فيديو عبر موقعنا للدكتور نعيم يوم استشهاد ابنته وحفيدته وتاليا مجموعة صور للعائلة التي حرمها محور الشر الصهيوني الاميركي البريطاني من سعادتهم :

 

غزة : د جمال يرثي إبنته الشهيدة سماح وحفيدته لارا - فيديو وصور
غزة : د جمال يرثي إبنته الشهيدة سماح وحفيدته لارا - فيديو وصور
غزة : د جمال يرثي إبنته الشهيدة سماح وحفيدته لارا - فيديو وصور