ينتهي العمر الدستوري لمجلس النواب التاسع عشر خلال العام الحالي، إذ تنص المادة 68/1 من الدستور بأن مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب العام بالجريدة الرسمية. وفد نشرت النتائج النهائية لانتخاب مجلس النواب التاسع عشر بعدد الجريدة الرسمية رقم (5678) الصادر في 16/11/2020. وفق ذلك، يجب دستورياً إجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب العشرين خلال الشهور الأربعة التي تسبق انتهاء مدة المجلس الحالي: أي خلال الفترة من 16/7 – 16/11/2024. ولكن، في إطار النقاش العام حيال مدى إمكانية إجراء الانتخابات النيابية بموعدها الدستوري الأصيل، تذهب نظرية إلى فكرة تأجيل الإنتخابات، بمسلك الخيار الدستوري الذي يتيح التمديد لمجلس النواب، وفق الصلاحيات الدستورية لجلالة الملك صلب المادة 68/1 من الدستور، التي تمنح جلالته حق تمديد مدة المجلس لمدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد عن سنتين. وينتصر أتباع هذه النظرية، بالظروف الإقليمية والحرب المشتعلة في قطاع غزة والتداعيات العالمية لذلك. التي تشكل استثناءً نوعياً، ستتدلى مفاعيله على الانتخابات النيابية سواء من حيث إمكانية إجرائها أو طبيعة نتائجها. أعتقد أن الدولة الأردنية، وبفضل القيادة الهاشمية الحكيمة، استطاعت أن تبني منظومة متماسكة من المؤسساتية وسيادة القانون، وقدرتها - أي الدولة- بشكل عام، على مواجهة أي ظروف استثنائية ومجابهتها، يمكنّها كل ذلك من المضي قدماً في تنفيذ أي مشروع، دون أن تتأثر قدرة الدولة من ذلك. كما أن الدولة أنجزت خلال الفترة الماضية إصلاحاً سياسياً معتبراً، من خلال عمليات التحديث السياسي، التي نجم عنها التعديلات الدستورية وقانون الإنتخاب لمجلس النواب وقانون الأحزاب السياسية. إذ تعتبر هذه المخرجات، هي المقدمات المنطقية والمتطلبات الأساسية للإصلاح السياسي، الذي تتبلور مفاعيله ويكتمل عقده بإجراء الانتخابات النيابية.وإن عدم إجراء الانتخابات النيابية، يفقد هذه العمليات التحديثية معناها الأساسي وفعلها الجوهري، ولفكرة تأجيل الانتخابات أيضا أضرار تصيب سمعة الدولة وجدّيتها بمشروعها الحداثي. إن وضع الأزمات في حسابات الدولة وتأثرها من ذلك على تنفيذ مشاريعها السياسية، سيقزّم من فكرة الدولة وصمودها أمام التحديات. فالأزمات، وفق التفسير التاريخي، هي فكرة مستمرة بمحيط الدولة الأردنية، التي تقع منذ نشأتها بمحيط ملتهب، لذلك، تبدو هذه الأزمات هي الظروف الطبيعية للجو الإقليمي. وبالتالي، فالدولة الأردنية بعقلها ووعيها وأدواتها، متحضرة لأي أزمة أو ظرف استثنائي، وتستطيع أن تمارس حياتها السياسية وسط ذلك الجو الإستثنائي. وبالمقاربة الأخرى، إن إجراء الإصلاح الشمولي وبمقدمته الانتخابات خلال الفترات المتأزمة للدول; يعد منفذاً لإنفراجة سياسية، تتخلص خلاله الدول من عبء الضغط الأزماتي: الداخلي أو الخارجي. ولقد تمكنت الدولة الأردنية ماضياً من إجراء الانتخابات النيابية في ظروف صعبة ومسارات تاريخية حرجة، لم تمنع الدولة ومؤسساتها من ممارسة حياتها الطبيعية، مع استجابتها لمتطلبات تلك الظروف والمسارات والتأقلم مع آثارها. وليس إجراء الانتخابات النيابية لمجلس النواب التاسع عشر عام 2020 في ظل جائحة كورونا ببعيد عن ذلك، إذ هيأت الدولة نفسها من النواحي كافة لتنفيذ التزاماتها الدستورية. على يقين، أن الدولة الأردنية، بعقلها الجمعي، ستتجه نحو إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، إذ سيكون ذلك دليلاً ساطعاً على أهلية الدولة وقوتها الدستورية والمؤسساتية، وبرهنة على حصافة الفكر الملكي وقدرته على مواكبة الظروف المستجدة، لتبقى الدولة الأردنية مستمرة في مسيرتها المشرقة نحو الإصلاح والتطوّر والرقي.